يمكن القول إنّ السياسيين الفرنسيين، ممّن شكّلوا مصدر جدل كبير، من صنف ريمون بار الذي توفّي عن 83 عاماً صبيحة أوّل من أمس، باتوا يُعَدّون على أصابع اليد الواحدة. فالراحل، الذي شغل منصب رئاسة الحكومة منذ عام 1976 حتى 1981، أثار نقاشات على مستويات عديدة. وستبقى مواقفه الحادّة من اليهود وكتاباته عن «اللوبي اليهودي» في فرنسا، التي أتهم بسببها بـ«معاداة السامية»، نقطة مركزية في أي بحث عن تاريخ وشخصية هذا الرجل الذي يتّفق الجميع على أنه كان أساس فكرة الاقتصاد الأوروبي الموحّد، وبشكل أدقّ، شخصية مركزية في هندسة الطريق الطويل نحو العملة الأوروبية «اليورو». وعُرف عن بار، الرجل الذي سمّاه الرئيس الأسبق للجمهورية فاليري جيسكار ديستان رئيساً لحكومته خلفاً لجاك شيراك عام 1976، بأنه دخل المعترك السياسي من باب «أفضل رجل اقتصاد في فرنسا» كما وصفه ديستان، وافداً من خارج الأحزاب السياسية رغم علاقته المميّزة بحزب «تجمّع الديموقراطية الفرنسية» (الوسط). وبار، حامل شهادات الاقتصاد والقانون والعلوم السياسية، والأستاذ الجامعي في هذه الاختصاصات، تبوّأ مناصب اقتصادية أوروبية قبل أن يصبح في ما بعد سيّد الماتينيون. وقد شغل نيابة رئاسة «المجموعة الأوروبية» للشؤون الاقتصادية والمالية منذ عام 1967 حتى عام 1973، ثمّ وزارة الاقتصاد في حكومة شيراك، قبل أن يشغل، إضافة إلى وزارة المالية، رئاسة المجلس، وهو المجلس الذي تمّ تطوير المشروع النووي الفرنسي في عهده. وفي منصبه الأوروبي، عُرف عن بار دوره الكبير في الدفاع عن فكرة الاقتصاد الأوروبي الذي يبدأ من خلال عملة موحّدة. وعام 1968، كان وراء اعتماد «المجموعة الأوروبية» للاتّفاق على التعاون الاقتصادي الدائم بين الدول الأوروبية الغربيّة، الذي مهّد في العام التالي لتوقيع ما بات يُعرَف بـ«برنامج بار 1»، و«برنامج بار 2» اللذين أوصلا في ما بعد إلى اعتماد العملة الموحّدة في 1/1/2000.
وفي فرنسا، كان على بار مواجهة أسوأ حقبة نقدية واقتصادية تعرفها بلاده، وخصوصاً في مواجهة آثار الصدمة النفطية التي سبّبتها حرب تشرين عام 1973 بين العرب واسرائيل. لكنّ هذه الأزمة، على أهميتها وحدّة نتائجها، بقيت أقل صعوبة من مواجهة ما عُرف في أوروبا بمرحلة «ما بعد الثلاثين سنة المجيدة»، إذ وجب على أوروبا الغربية طيّ صفحة الوفرة الاقتصادية؛ فمع ارتفاع نسب التضخّم والبطالة وانخفاض قيمة الفرنك الفرنسي، كان على بار السير بسياسات «إعادة هيكلة» نقدية واقتصادية غير شعبية. وإلى جانب محاربته في السياسة والاقتصاد من جانب كل من اليسار واليمين الفرنسيين، اشتهر بار بمواقفه من قضية الاعتداء على الكنيس اليهودي في باريس عام 1980، الذي عدّ دفاعاً عن الذين قاموا به. كما لن ينسى الفرنسيون للراحل انتقاداته الحادّة التي وصلت الى حدّ الشتائم للّوبي اليهودي الفرنسي. أمّا دفاعه عن الرجل الثاني في الحزب اليميني المتطرّف «الجبهة الوطنية»، برونو غولنيش، الذي حُوكم على آرائه الفاشية، فتبقى في صلب تقويم فئة واسعة من الشعب الفرنسي على هذه الشخصية التي طبعت تاريخ الجمهورية الخامسة. (الأخبار)