بروكسل ــ حسن شقراني
تعليق حلف شمال الأطلسي على الأحوال في الشرق الأوسط بالقول «نريد الإظهار لشعوب المنطقة كيفية العيش»، ليس سوى قليل مما ولّدته ثقافة الحرب الباردة، التي كانت، وبكل تشعباتها، السبب الأول لنشأته عام 1949.
العبارة اعتمدها أحد المسؤولين الرفيعي المستوى في الوحدة الدبلوماسية التابعة للقسم المتخصص في الحوار المتوسطي في الحلف، من أجل تطويق النقاش حول دور مؤسسته في الشرق الأوسط، وذلك خلال اللقاء الأول بين صحافيين لبنانيين ومسؤولين في الأطلسي في مركزه في بروكسل شاركت فيه «الأخبار».
تعود جذور تدخّل الحلف في المنطقة إلى عام 1994، حين أطلقت مبادرة السلام بالشراكة مع إسرائيل والمغرب وموريتانيا ومصر وتونس (انضم إليها عام 2005 الأردن وبعد 5 سنوات الجزائر)، من أجل «الحوار والديموقراطية» ومساعدة بلدان الأزمات أو توخي اندلاع أزمات في بلدن أخرى.
تلك المبادرة، التي سبقت العملية العسكرية الأولى لـ«الأطلسي» (التي دارت رحاها في البوسنة) بعام واحد، مثّلت قلب ما سمي في ما بعد «اتفاقية اسطنبول»، التي تمت عام 2004، واعتُبرت محور المناورات العسكرية والسياسية للحلف المختصة في الشرق الأوسط بعد هجمات 11 أيلول 2001 على نيويورك وواشنطن، من خلال عقيدة الإجراءات الاحترازية، وبطبيعة الحال الحروب الاستباقية.
إذاً فـ«الإرهاب الإسلامي»، الذي ينبع من بلدان حوض المتوسط وما بعدها شرقاً وجنوباً، هو ما «يقلق» الحلف بعد انتهاء الخطر الشيوعي، ولكن كيف يواجهه؟
تعدّ السفن الحربية للحلف، التي تجوب مياه البحر الأبيض المتوسط واحتجزت أكثر من 115 سفينة وقارباً وأنذرت أكثر من 95 الفاً أخرى منذ انطلاق مهمّة «مقارعة الخطر» عام 2002، الركيزة الأولى التي يعتمد عليها الأطلسي في مراقبة الشواطئ و«احتواء تهريب الأسلحة والمتمردين»، إلى جانب طائرات الاستطلاع «الاواكس».
وأكثر من ذلك، فإن مشاركة 15000 جندي من قوات الحلف في «عمليات تدريبية» لقوات الشرطة والجيش العراقية، والوجود العسكري في أفغانستان (أكثر من 35000 جندي) إلى جانب السعي إلى نشر قوات أخرى في إقليم دارفور السوداني المضطرب، تعدّ أساساً للتحركات العسكرية للحلف في هذا السياق.
والركيزة التي اعتمدت عليها البلدان الأعضاء في الحلف في ذلك الانتشار، هي ضرورة محاربة الطغيان في كنف المادة الخامسة من ميثاقه التي تنص على أن «أي هجوم على أحد الأعضاء هو هجوم على الجميع»، وهو ما أمّن مدخلاً تشريعياً للتحركات العسكرية بعد 11 أيلول.
يرى أحد المسؤولين في مجال التخطيط في الحلف، وهو دبلوماسي سابق عمل في لبنان، أن الرئيس الباكستاني برويز مشرف أذكى من نظيره الأميركي جورج بوش، وذلك من خلال تقويم رد فعل الأول على الزلزال الذي ضرب بلاده في أوائل العام الجاري، عندما فتح المجال أمام المساعدات التي قدمها «الأطلسي»، فيما تلكأ بوش حين ضرب أعصار كاترينا السواحل الشرقية للولايات المتحدة وخلّف مأساة إنسانية في نيو أورليانز.
المسؤول نفسه يرى أن موافقة أميركية تركية كندية على أي عملية عسكرية مطروحة على طاولة البحث كافية للانطلاق بها، رغم تشديده في وقت سابق من اللقاء على أنّ مبدأ الإجماع في اتخاذ القرارات هو النجمة الذهبية على جبين الحلف، التي تمكّنه من تجنّب النقد لأي عملية لا توافق معاييره المطلقة لحروب تواجه الأزمات.
هناك إجماع لدى مسؤولي الحلف على أن وجوده العسكري في بلدان الأزمات يثير حساسية وطنية لدى شعوبها، على اعتبار أن ولاءه في الخيارات الاستراتيجية هو أميركي، إلا أنهم يستطردون بأن بين طيات أدوات مؤسستهم منحى سياسي، أين ظهر وكيف يمكن أن يظهر؟ سؤال برسم مستقبل كوني، الشرق الأوسط فيه أكثر المناطق حساسية، ويبدو أن الأمم المتحدة تخسر فيه لمصلحة «الأطلسي»، في ظل توجّه الاتحاد الأوروبي نحو إنشاء «جيش للقارة العجوز» لمواجهة الأزمات أيضاً.