برلين ــ غسان أبو حمد
تشدّد في تطبيق قانون «من أين لك هذا؟»... لزيادة «الشفافية»

عزّزت ألمانيا الاتحادية نظام حكمها السياسي بالمزيد من دعائم الديموقراطية والشفاقية، وذلك من خلال تثبيت قانون «من أين لك هذا؟» الذي يفرض على ممثلي الشعب من النوّاب والقادة العاملين في القطاع السياسي واجب الإعلان عن دخلهم المادي علانيةً وعلى شبكة «الإنترنت» كي يطّلع الناخبون على مصادر أموال ممثليهم.
واقع الأمر أن القانون، الذي أقرّه البرلمان الألماني (البوندستاغ) قبل عامين، ضمن سلسلة قوانين تحت عنوان «قواعد الشفافية»، تعرّض إلى طعون قانونية من قبل 9 نواب، ما دفع بقضاة المحكمة الدستورية الاتحادية (أعلى سلطة قضائية) إلى ردّ الطعون والتأكيد على أنّ القواعد «لا تتعارض مع حصانة النواب البرلمانية».
ويعدّ قرار المحكمة، الذي صدر أوّل من أمس، بمثابة خطوة تاريخية جريئة في العمل السياسي وفي تاريخ أنظمة الحكم في العالم، إذ بات واجباً على جميع النوّاب التصريح عن مصادر دخلهم المادي على الموقع الإلكتروني للبرلمان.
وأكدت المحكمة، في قرارها، أن هذه الطريقة تمكّن المواطنين من التعرف على الاستقلالية الاقتصادية لممثليهم في البرلمان وعلى أيّ تعارض محتمل في المصالح.
تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنّ جميع النواب البالغ عددهم 614 نائباً كانوا، منذ صدور قانون «قواعد الشفافية»، يكشفون عن دخولهم الإضافية في سجلات يحتفظ بها رئيس البرلمان الألماني نوربرت لامرت.
وكان النواب التسعة الذين توجّهوا إلى المحكمة ورفعوا الطعون قد علّلوا أسباب رفضهم بالقول: إنّ «نشر الدخل المادي الإضافي يضرّ بأسرار عملهم، علاوة على أنه قد يؤدّي إلى تجنّب أصحاب الأعمال الحرّة الترشح للبرلمان في المستقبل، وهو ما يشكّل خسارة كبيرة لقدرة البرلمان على تمثيل كل قطاعات المجتمع».
وبعد مرور 24 ساعة على تثبيت المحكمة بنود الإجراء الجديد، فوجئ المراقبون لموقع البرلمان على الإنترنت بوجود ملفّ لحياة كل نائب، إضافة إلى المواقع التي يعمل فيها أو يمارس نشاطاً مدفوع الأجر، مثل النوادي والجمعيات ومجالس إدارة الشركات وسواها.
أمّا الجديد الذي طرأ على تبويب الموقع المذكور، أمس، فهو يتعلّق بالمهن «الجانبية» المدفوعة الأجر التي يمارسها بعض النواب إلى جانب عملهم السياسي. واللافت هنا عدم وجود تحديد ثابت لقيمة التعويضات الجانبية التي تدخل إلى جيوب النواب، إلّا أنّ مصادر في البرلمان تؤكّد على عدم تجاوز حدّها الأقصى الـ 7 آلاف يورو شهرياً.
يذكر أن التعويضات الشهرية الجانبية أو «المعونات» التي لا يتجاوز مجموعها الـ 10 آلاف يورو شهرياً معفاة من التصريح الرسمي.
وفي مراجعة دقيقة لأرشيف المجلس النيابي، يتبين بأن مجموع التعويضات الشهرية الجانبية التي يتلقّاها بعض النوّاب نتيجة «الأنشطة الجانبية غير السياسية» تتوزّع على ثلاث مراتب، لكنها لا تتجاوز العشرة آلاف يورو.
ويجب على النوّاب الذين يتقاضون أجراً جانبياً دورياً، التصريح فوراً وفي مهلة زمنية لا تتجاوز الثلاثة أشهر، عن هذه التعويضات والأجور الإضافية.
وفي نظرة سريعة إلى جداول التعويضات الشهرية لممثلي مجلس الشعب، يتبيّن أن التعويض الذي تتقاضاه المستشارة أنجيلا ميركل لا يتجاوز الـ 7 آلاف يورو شهرياً، وبالإمكان مضاعفة هذه القيمة بسبب المواقع السياسية والمهمات الإضافية التي تكلّف بها بصفتها رئيسة للحكومة الألمانية أو سواها من الواجبات.
أما مجموع التعويضات السنوية الأعلى بين 613 نائباًَ ألمانياً، فيتقاضاه النائب فريدريش ميرز (الحزب المسيحي الديموقراطي الحاكم)، ويبلغ نحو 50 ألف يورو سنوياً، نتيجة ممارسته مهنة المحاماة للعديد من الشركات والمصانع والأندية الرياضية، إلى جانب دوره النيابي. واللافت أنّه من بين النواب التسعة الذين طعنوا بإجراء الشفافيّة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن إمكانات التلاعب «الحسابي» صعبة في ألمانيا، نظراً إلى مراقبة مصلحة الضرائب المشددة على مصادر أموال المواطنين، ونظراً إلى المنافسة الحزبية القوية، التي تضع ممثلي الشعب تحت المراقبة الدائمة.
وفور صدور قرار المحكمة الدستورية، سارعت بعض الأحزاب الألمانية، وتحديداً «الفقيرة» غير المدعومة، إلى «التقاط المناسبة». فأعلنت كتلة حزب «البيئة» (الأخضر) عن تأييدها للقرار، وأكّدت أن قواعد الشفافية في العمل السياسي لا تقع في باب «الأحقاد وتصفية الحسابات السياسية» بين الحكومة والمعارضة وإنّما تهدف إلى «منع تأثير المصالح الاقتصادية للنوّاب بشكل غير مشروع على ممارستهم لمهمتهم القاضية بتمثيل الناخبين الألمان».