رام الله ــ سامي سعيد
أولمرت طلب البحث عن بديل منه... ومبارك وعبد الله الثاني حمّلاه مسؤولية سيطرة «حماس» على غزة


الإشارات إلى خروج القيادي «الفتحاوي» البارز محمد دحلان من دائرة الضوء والقرار على الساحة الفلسطينية لا تتوقف عن الظهور، لترجح فرضية أنه يعيش آخر مراحل حياته السياسية، وهو ما بدا واضحاً في غيابه عن قمّة شرم الشيخ، رغم حضور اسمه في مداولات الحاضرين.
وعلى غير العادة، وفي مفاجأة لم تكن في حسبان الكثيرين، لم يظهر دحلان في قمّة شرم الشيخ الأخيرة الشهر الماضي؛ فالقيادي «الفتحاوي»، الذي كان في الصفوف الأمامية دوماً في مثل هذه المؤتمرات واللقاءات، لم يكن له وجود في القمة التي ضمت الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت والملك الأردني عبد الله الثاني والرئيس المصري حسني مبارك.
لكن عدم ظهور دحلان لم يدم طويلاً، فقد تركزت بعض النقاشات والأحاديث الجانبية بين المجتمعين على دوره في خسارة «فتح» في غزة، محملين إياه المسؤولية عمّا آلت إليه الأوضاع.
وكشفت مصادر فلسطينية موثوقة لـ«الأخبار»، بعض ما دار من أحاديث وغمز ولمز عن دحلان في القمة، ما دعا عباس إلى تجاهل هذا الأمر في محاولة لتغيير الحديث، لكنه فشل أكثر من مرة في ذلك.
وأكدت المصادر، التي اشترطت ألا يذكر اسمها، أن مبارك وعبد الله الثاني اشترطا على أبو مازن عدم إحضار دحلان إلى القمة كي يشعر بالذنب الكبير الذي أوقع فيه السلطة ومؤيديها العرب في غزة. وأشارت إلى أن الغضب المصري ـــــ الأردني على دحلان قابله استهزاء من أولمرت، الذي قال إن دحلان «أصبح دمية بيد حماس بعدما أحكمت سيطرتها على مقارّ السلطة في غزة»، مشيراً إلى أن «حماس» «جعلت وزنه (دحلان) ينقص عشرة كيلوغرامات من الخوف والترقب الذي أصيب فيه».
وبحسب المصادر نفسها، فإن أولمرت قال لأبو مازن: «لا مشكلة في سقوط غزة، لكن المشكلة الأهم أننا نريد شخصاً غير دحلان، قادراً على فعل ما كان يقوم به في الماضي»، في إشارة إلى أن ورقة دحلان سقطت من الحسابات الإسرائيلية.
وفي تحريض مباشر على «حماس»، قال أولمرت لأبو مازن إن «حماس غلبتكم في غزة ومعلوماتنا أنها ستغلبكم بعد عام في الضفة، لأنها تشكل قوة تنفيذية هناك». فرد الرئيس المصري عليه: «وماذا فعلتم أنتم؟». فأجابه أولمرت: «أهل الأرض أدرى بمشاكلها».
لكن أبو مازن لم يجد، أمام كل ما سبق، إجابات كافية للرد على الاستفسارات التي انهالت عليه من المجتمعين، فاضطر إلى الهروب من الموقف المحرج الذي وقع فيه لإعطاء تعهّد بإنهاء ظاهرة المسلحين في الضفة الغربية وجمع سلاحهم والتضييق على المقاومين هناك، وخصوصاً الذين يعملون في أجهزة الأمن الفلسطينية (غالبيتهم من حركة «فتح»)، وعدم تقديم المساعدة لهم إلا إذا تخلوا عن سلاحهم واشتركوا في حفظ الأمن في الضفة الغربية.
وحمّل عباس ومبارك وعبد الله الثاني إسرائيل مسؤولية ما حدث في غزة، وأجمعوا على أن الدولة العبرية لم تعط السلطة الفرصة المناسبة للقيام بأعمالها في غزة ودمرت مراكزها وماطلت في إعطائها التسهيلات لدخول الأسلحة لها وساعدت «حماس» بشكل أو بآخر في إدخال الأسلحة وتخزينها في غزة لمجابهة «فتح» والسلطة (بعض سلاح «حماس» في غزة تشتريه من تجار سلاح إسرائيليين). لكن مبارك وعبد الله حمّلا أبو مازن أيضاً مسؤولية ما جرى وقالا إنه مضلّل من بعض مستشاريه، وإنه يجمع حوله بعض المستشارين «الذين لا يفقهون شيئاً».
ودعا أولمرت ومبارك وعبد الله الثاني الرئيس الفلسطيني إلى الاهتمام أكثر بأجهزته الأمنية وتقويتها وتدريبها، فيما تعهد الملك الأردني تدريب بعض العسكريين الفلسطينيين الموالين لعباس في الضفة في الأردن. لكن أولمرت تدخّل مبتسماًَ قائلاً: «لكن ما يطلعوا معهم إرهابيين من
فتح».
وفي اتصال هاتفي لم يعلن عنه جرى أول من أمس، علمت «الأخبار» من مصادر مقربة من أبو مازن، أن أولمرت رحب بقرار الرئيس الفلسطيني حظر الميليشيات المسلحة في الضفة، وطالبه بتنفيذ القرار بالقوة وإجبار المطاردين على التوقيع على وثيقة يعلنون فيها انسحابهم من المقاومة وانخراطهم في العمل الأمني الرسمي.
وقالت المصادر إن أبو مازن أبلغ أولمرت أن العمليات العسكرية الإسرائيلية اليومية في الضفة الغربية تعوق تنفيذ خطواته لتجريد سلاح المقاومة، مطالباً جيش الاحتلال بعدم التدخل في الشؤون الداخلية وترك قوات الأمن الفلسطينية تعمل على تجريد سلاح المقاومة منها.
لكن المصادر نفسها قالت إن أولمرت لم يعط عباس تعهداً بوقف نشاطات الجيش الإسرائيلي في الضفة ولم يعطه رداً على قضية الأمان للمطاردين الذين وافقوا على تسليم أسلحتهم وعددهم لا يتجاوز عشرين مقاوماً.