معمر عطوي
ليس حادثاً عرضياً ما يحصل من اضطرابات هذه الأيام في باكستان، حيث يكمن المعقل الأساسي لطلبة العلوم الدينية، الذين شكّلوا نواة «الإمارة الإسلامية» في أفغانستان، تحت إمرة الملا عمر، وبدعم من الاستخبارات الباكستانية.
يمكن القول، إن أزمة المسجد الأحمر في إسلام آباد، ليست وليدة حادثة عابرة، بقدر ما يمكن أن تندرج في سياقتنفيس احتقان للشارع الباكستاني، الذي لا يزال يعيش مناخات الاضطرابات التي حصلت على خلفية إقالة الرئيس برويز مشرف لرئيس القضاة افتخار محمد شودري، من منصبه تحت حجة «سوء التصرف». يشار إلى أن شودري، الذي عُرف بقراراته الصارمة ضد بعض تصرفات الحكومة، هو من المحسوبين على التيار الإسلامي العريض في البلاد، حيث تنتشر كبرى الجماعات الإسلامية في شبه القارة الهندية، «الجماعة الإسلامية»، التي يتزعمها قاضي حسين احمد، والتي ضاعفت من انتقاداتها لسلطة مشرف منذ غزو أفغانستان عام 2001، لدرجة اتهامه بالعمالة للاستخبارات الأميركية.
كما تأتي القضية الكشميرية، وما شهدته في السنوات الأخيرة من تراجع، بعد وقف الحكومة دعمها للأعمال المسلحة ضد الهنود، لتمثّل أحد الأسباب التي زادت من نقمة الشارع الباكستاني، على سياسة الحكومة، رغم أن مشرف كان قائداً للجيش إبّان القتال العنيف بين الهند وباكستان عام 1999 في مرتفعات كارغيل، التي انتهت بانسحاب المقاتلين الكشميريين منها بضغط من رئيس الوزراء السابق نواز شريف.
وأكّدت قضية هذا الإقليم المتنازع عليه بين الهند وباكستان، هذا الشرخ الكبير الذي حصل بين السلطة والشرائح الاجتماعية التي يمثّل الإسلاميون غالبيتها، ولا سيما أن كشمير أصبحت في وعي العديد من الحركات الإسلامية قضية كبرى مثل قضية فلسطين وقضية الشيشان.
هذا ما دفع زعماء الجماعات الإسلامية «الجهادية» الى اتهام مشرف بمحاولة استرضاء الأميركيين، على أساس أن الإدارة الأميركية تمارس ضغوطها على باكستان لتعترف بهيمنة الهند على المنطقة.
ويبدو واضحاً فشل مشرف في محاولة استرضاء الجماعات الإسلامية، على غرار ما فعل سلفه شريف، الذي استطاع توظيف هذه الجماعات الى حد كبير لخدمة أهدافه السياسية.
ولعل سبب هذا الفشل يعود إلى أمرين: الأول، هو تعاون مشرف مع الغرب في القضاء على حركة طالبان في أفغانستان، وخصوصاً أن هذه الحركة ترتبط برابط إثني مع امتداداتها البشتونية في منطقة القبائل على الحدود الباكستانية الأفغانية، ولا سيما إقليم وزيرستان، وبرابط عقائدي مع باقي التيارات الإسلامية، التي وجدت في معاهد ومدارس القرآن في باكستان مجالاً حيوياً لتحركها الدعوي والتنظيمي، وفي الساحتين الكشميرية والأفغانية مجالاً حيوياً لإعداد عناصرها عسكرياً وجهادياً.
أمّا الثاني، فهو مصادرة قضية كشمير، التي تمثّل أحد مناطق الرباط والجهاد ضد «الكفار» في نظر الإسلاميين.
هذا ما جعل مشرف يخسر شارعه ويكتفي بدعم الاستخبارات الأميركية والمحلية الموالية له، ما يفسر تعرضه منذ سيطرته على السلطة في انقلاب قاده ضد شريف، في خريف عام 1999، لمحاولات اغتيال عديدة كانت آخرها منذ يومين، وذلك في تأكيد واضح لما ذكرته مصادر إسلامية باكستانية منذ أشهُر عن إمكان حدوث عملية تغيير قد تطيح النظام العسكري.
المصادر الإسلامية المعارضة كانت دائماً تراهن على أن «اليوم الذي سيقابل فيه مشرف مصيره المهزوم ليس بعيداً»، وأن كل الزعماء الذين سبقوه لاقوا المصير نفسه من ذو الفقار علي بوتو الى ايوب خان الى بنازير بوتو وصولاً حتى نواز شريف. فهل بدأ العد العكسي لسقوط الجنرال الذي تمادى كثيراً في محاباة الأميركيين من دون أن يكترث للشارع الذي يزداد احتقاناً يوماً بعد آخر؟