strong>بوتين يرى «الأزمة صغيرة»... والشركات الروسية تلوّح بهجرة بورصة لندن
...وأخيراً، ردّت روسيا على «العقوبات» البريطانيّة بحقّها أمس، من خلال إجراء «محدّد، متوازن ويمثّل الأدنى المطلوب»، تمثّل بطرد 4 دبلوماسيّين بريطانيّين وتعليق «التنسيق في مجال مكافحة الإرهاب» وعوائق على منح تأشيرات الدخول للمسؤولين البريطانيين.
ورغم محاولة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين احتواء الأزمة التي رأى أنّها «صغيرة»، إلّا أنّ لندن، التي كانت قد أطلقت «الحرب» بداية الأسبوع عندما طردت 4 دبلوماسيّين روس، وصفت الردّ الروسي بـ«غير المبرّر والمخيّب للآمال»، وهو موقف زكّته وزيرة الخارجيّة الأميركيّة كوندوليزا رايس من خلال مقولة «وجوب التعاون»، وتبنّاه الاتّحاد الأوروبي.
وفي أول تعليق له على التطوّرات، نقلت وكالة «نوفوستي» الروسيّة للأنباء عن بوتين قوله «أعتقد أنّ العلاقات بين روسيا وبريطانيا ستتطوّر بشكل طبيعي، لأنّ الجانبين مهتمّان بذلك»، موضحاً أنّه «من الضروري قياس تصرّفات أحد الطرفين بمنطق، واحترام المصالح الشرعيّة للشريك، لتخطّي هذه الأزمة الصغيرة».
وبعدما أوصلت قضيّة اغتيال رجل الاستخبارات الروسي السابق البريطاني الجنسيّة ألكسندر ليتفينينكو، الأزمة بين «عدوّي» حقبة «الحرب الباردة» إلى طريق مسدود أطلق حرباً دبلوماسيّة وإعلاميّة متصاعدة بينهما، ارتأت موسكو أمس أن ترد على الإجراء البريطاني بالمثل، حسبما تفيد الأعراف الدبلوماسية.
وشدّد المتحدّث باسم وزارة الخارجيّة الروسيّة ميخائيل كامينين على أنّ أيّ سياسي روسي «لن يطلب تأشيرة دخول بريطانيّة، ولن يُأخذ بالاعتبار أيّ طلب من الطرف الآخر في هذا السياق»، وذلك بعد تحديده ردّ بلاده الأساسي بطرد 4 دبلوماسيّين بريطانيين.
ونقلت «نوفوستي» عن كامينين قوله بعد استدعاء وزرارة الخارجيّة الروسيّة للسفير البريطاني إلى موسكو طوني برنتون لتلقّي «رسائل معينة ينقلها إلى لندن»، أنّ الجانب البريطاني «أخذ خياراً واعياً للإساءة إلى العلاقات معنا»، مبيّناً أنّ «قرار الحكومة البريطانيّة العمّاليّة مبنيّ على كلّ شيء سوى المنطق والبراغماتيّة، اللذين يميّزان البريطانيّين».
وعبّر كامينين عن اعتقاده بأن «تتغلّب الحكمة في نهاية الأمر، وتتحرّر العلاقات الروسية ـــــ البريطانية من الأوزار المصطنعة، التي تتصنعها الحاجة السياسة الداخلية في بريطانيا أو السعي للعب الورقة الروسية في السياسة الأوروبية أو اليورو ـــــ أطلسية».
وفي ما بدا العنصر الوحيد المفاجئ في خطوة روسيا، أوضح كامينين أنّه «للأسف، تعاوننا معهم في قضايا الإرهاب سيصبح مستحيلاً»، إلى حين إيضاح الجانب البريطاني لخطوته العدائيّة الأوليّة.
وعن النقطة الأخيرة، أشارت المحلّلة في معهد «غلوبال إنسايت»، ناتاليا ليتشينكو، في حديث لهيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانيّة «بي بي سي»، إلى أنّ تطرّق موسكو إلى قضيّة «التعاون في محاربة الإرهاب» يهدف إلى ترويج أنّ رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون يتصرّف على عكس مصلحة شعبه، نظراً لما لهذا الموضوع من أهميّة وخصوصاً مع وجود تعاون رفيع بين البلدين، وبعد أقلّ من شهر على محاولات التفجير الانتحاريّة في لندن وغلاسكو.
بدوره، قال المحلّل سيرغي ماركوف، المقرّب من الكرملين، في حديث لوكالة «أسوشييتد برس»، إنّ روسيا قدّمت «ردّاً مناسباً ومطابقاً»، موضحاً أنّها «تتجنّب الانجرار إلى مواجهة جديدة يحكمها منطق الحرب الباردة» لأنّها لا تريد أن تكون «نسخة مخفّفة من الاتّحاد السوفياتي».
وفي التداعيات الاقتصاديّة للأزمة، حذّر رئيس اتحاد رجال الأعمال الروس ألكسندر شوخين من أنّ التوتّر الدبلوماسي قد يؤدّي إلى انسحاب شركات عامّة روسية كبرى من بورصة لندن، وبينها شركة النفط الروسية الأضخم «روس نفت» وعملاق الغاز «غازبروم»، وانتقالها إلى أسواق البورصات القارية.
وفي لندن، قال وزير الخارجيّة البريطاني دايفيد ميليباند «نشعر بخيبة أمل لعدم إظهار الحكومة الروسية أيّ علامة تعاون جديدة» في قضيّة ليتفينينكو، من خلال تسليم المتّهم بقتله عبر تسميمه بمادّة «بولونيوم 220» المشعّة على الأراضي البريطانيّة، رجل الاستخبارات الروسي السابق ورجل الأعمال الحالي أندريه لوغوفوي.
وأعرب ميليباند عن «ارتياح بلاده لتضامن الدول الأوروبيّة والاتّحاد الأوروبيّ والولايات المتّحدة» لدعم نزاهة النظام القضائي البريطاني، الذي يواجه عقبة دستوريّة في موسكو تقف في وجه تسليم المتّهمين الموجودين على الأراضي الروسيّة إلى بلدان أخرى. وقد وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طلب تسليم لوغوفوي بأنّه «غبي».
وقبل دقائق على إعلان روسيا عن إجراءاتها، رأت كوندوليزا رايس أنّ على موسكو «الاستجابة» لطلب لندن تسليمها لوغوفوي. وقالت، في حديث إلى محطة التلفزة البريطانية «سكاي نيوز»، إنّ هناك «مشاكل كبيرة جدّاً جدّاً» مع روسيا، لكنّها استطردت بالتشديد على أنّ موسكو «شريك استراتيجي، قطع مسافة طويلة على طريق الديموقراطيّة وحريّة التعبير منذ انهيار الاتّحاد السوفياتي» عام 1990.
وأبرزت الدبلوماسيّة الأميركيّة مجالات التعاون مع موسكو في ملفّي كوريا الشماليّة وإيران، موضحةً أنّ التعاون بين الولايات المتّحدة وروسيا يمتدّ إلى «مكافحة الإرهاب» والتهديدات الدوليّة التي تمثّلها القوّة النوويّة «على الرغم من خيبة أملنا» من بطء مسيرة الإصلاح و«المأسسة» في البلد السوفياتي السابق.
واستغلّت رايس التوتّر القائم مع روسيا في القارّة الأوروبيّة للتذكير «بأنّنا جميعاً قلقون من استخدام روسيا مصادر الطاقة كأداة سياسية»، نافيةً أنّ يكون ميليباند من بين «المسؤولين المعادين للولايات المتحدة في الحكومة البريطانية الجديدة».
ولم تكتف رايس بالملفّات التي طرحتها أمس، إذ شدّدت في حديث للصحافيّين خلال توجّهها إلى لشبونة لحضور اجتماع «الرباعيّة الدوليّة» للسلام في الشرق الأوسط، على «التزامنا الكامل باستقلال إقليم كوسوفو» الصربي و«سنحقّق ذلك بطريقة أو بأخرى».
(أ ب، يو بي آي، أ ف ب)

لا بد أن تتغلّب الحكمة في نهاية الأمر، وتتحرّر العلاقات الروسية ـــ البريطانية من الأوزار المصطنعة، التي تتصنعها الحاجة السياسة الداخلية في بريطانيا أو السعي للعب الورقة الروسية في السياسة الأوروبية أو اليورو ــ أطلسية