strong>بول الأشقر
أعلن رئيس كولومبيا الفارو أوريبي أول من أمس الإفراج عن رودريغو غراندا، «وزير خارجية» منظمة الفارك (القوات الكولومبية الثورية المسلحة)، وذلك في محاولة منه لاستعادة المبادرة السياسية ولتحسين صورته الدولية، ولا سيما أنه يجري عشية انعقاد قمة الدول الثماني الصناعية الكبرى وبالتنسيق مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي يسعى من جهته إلى الإفراج عن امرأة فرنسية كولومبية ومرشحة سابقة لرئاسة الجمهورية تحتجزها الفارك منذ خمس سنوات، تدعى إنغريد بيتانكور.
وخاطب الرئيس الكولومبي مواطنيه عبر شاشات التلفزة، كاشفاً عن أن قرار الإفراج عن غراندا، إضافة إلى 184 مقاتلاً من تنظيم الفارك التزموا عدم العودة إلى الكفاح المسلح، جاء تلبية لطلب من ساركوزي.
وأفرج عن غراندا، الذي اعتقلته الاستخبارات الكولومبية في فنزويلا، علماً بأنه كان قبل اعتقاله مسؤول الفارك عن العلاقات الدولية، وخصوصاً عن الاتصالات مع الحكومة الفرنسية. ولم يكشف أوريبي عن «أسباب مصلحة الدولة العظمى»، التي تبرر قراراته الأخيرة مع أنه لمّح إلى قرب انعقاد اجتماع مجموعة الثماني. وحيّا الرئيس الفرنسي بعد إعلان «القرار الشجاع» لزميله الكولومبي.
ما هي الأسباب التي جعلت أوريبي يخطو هذا المنحى وهو المعروف بتشدده مع الفارك ورفضه منذ سنوات مبدأ «التبادل الإنساني» بين المعتقلين من الطرفين؟
لقد انتخب أوريبي على قاعدة خطاب الحسم العسكري مع الفارك. وخلال ولايته الأولى، صعّد من الحملة العسكرية عليهم وعقد تسوية مع الميليشيات اليمينية «الباراـــــ ميليتاريس»، التي كانت تزرع العنف في كل أنحاء كولومبيا. وفتح مفاوضات مع منظمة الـ«إي.أل.أن» اليسارية (جيش التحرر الوطني) التي لا تزال مستمرة حتى اليوم وتجري في كوبا.
لقد أخذت التحقيقات القضائية مع «الباراـــــ ميليتاريس» تؤدي إلى أعتقال أقرب المقربين منه في المجلس والحكومة والجيش والشرطة بالعشرات، لتورطهم مع هذه المجموعات، ولا سيما أن الإفراج عن معتقلي الفارك هو بمثابة مقدمة للإفراج عن «البارا ـــــ ميليتاريس» وعن حلفائهم السياسيين.
من جهة أخرى، أخذت هيبة «حليف جورج بوش الأول في القارة» تتخلخل نتيجة هذه الفضيحة المدوية وبدأ الديموقراطيون يبتعدون عنه وعن سياساته لدرجة أن نائب الرئيس الأميركي السابق آل غور رفض الاجتماع به الشهر الماضي في الولايات المتحدة، الأمر الذي يهدد إقرار معاهدة التجارة الحرة مع الولايات المتحدة لمزيج من الأسباب الاقتصادية والسياسية.
ويحاول قرار أوريبي الأخير خلق نوع من التوازن في علاقاته بين الولايات المتحدة وأوروبا، ويسمح له على الصعيد الداخلي بإعادة ترتيب وضع حلفائه،فضلاً عن الضغط على الفارك وعدم الخضوع لشروطهم للقبول بـ«التبادل الإنساني». هنا تكمن المشكلة بالضبط لأن التبادل يتطلب طرفين: منذ سنوات، تطالب الفارك بـ«التبادل الإنساني» بعد تجريد منطقتين من السلاح لإجراء التفاوض، والرئيس أوريبي يرفض.
رفض أولاً مبدأ التفاوض، ومن ثم تحت ضغط المجتمع الدولي، قبل المبدأ ورفض شروط الفارك للقيام بالتبادل. لكن بعد إعلان أوريبي، عادت الفارك وأكدت تمسكها بالمناطق المجردة من السلاح ورأت أن المقاتلين الذين وقعوا التزامات «فارون». ورأت في قرارات أوريبي «هروباً إلى الأمام لنظام غير شرعي متورط مع البارا ـــــ ميليتاريس».
الأسابيع المقبلة ستدلّ إذا قام الرئيس أوريبي بضربة معلم، أو إذا قام بقفزة في المجهول لا أحد يدري اليوم نتائجها.