باريس ــ بسّام الطيارة
رغم النتائج النهائية للدورة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية، والتي أفادت أن الحزب اليميني «الاتحاد من أجل حركة شعبية» حصل على الأكثرية المطلقة في الجمعية الوطنية الفرنسية، فإن نتيجة هذه الانتخابات مقارنة مع الانتخابات السابقة قد أعادت خلط الأوراق لمصلحة الاشتراكيين، الذين زاد ممثلوهم 56 نائباً، وهو ما يهدد بعض إصلاحات الرئيس نيكولا ساركوزي، التي باتت تحتاج إلى استفتاء لإقرارها


كانت الانتخابات الفرنسية أول من امس، بمثابة إنذار للرئيس نيكولا ساركوزي من الناخب الفرنسي الذي قال له: «لن تستطيع فعل ما تشاء». وعلى هذا يمكن وصف نتيجة الاقتراع بأنها «فوز من دون انتصار» بالنسبة للحزب الحاكم، بينما كانت «هزيمة جميلة» بالنسبة للحزب الاشتراكي.
ويتفق الجميع على وجود نسبة كبيرة من الفرنسيين لها «رأي مخالف» للحزب الحاكم في طريقة إدارته للبلاد وخط مستقبلها. ويرى البعض أن الانتخابات الاخيرة كانت بمثابة تحذير من مؤيدي الحزب الحاكم، الذين «صدموا» من استبعاد «الحرس الساركوزي» المقرب، الذي سانده للوصول إلى سدة الحكم، وحصر المراكز المفصلية في الدولة بـ «بقايا العهد الشيراكي» وبعض قوى الوسط واليسار، في ما سمي «خطوات انفتاح» في سياق مخالف لسياسة «القطيعة»، التي طبّل لها الفريق الانتخابي لساركوزي خلال الحملة الانتخابية
الرئاسية.
وأظهرت النتائج النهائية أن عدد مقاعد نواب حزب الرئيس وحلفائه تراجع من ٣٧٣ إلى ٣٢٥ مقعداً ــــــ أي أن فريق ساركوزي الجديد «خسر» ٤٨ نائباً مقارنة بالانتخابات التي جرت في عهد شيراك، ولهذا معنى سياسي لا يمكن تجاوزه من دون التوقف عنده.
وبالمقابل فإن الحزب الاشتراكي، الذي رآه البعض على طريق التفتت والاضمحلال، فقد رفع عدد نوابه ونواب حلفائه من ١٤٩ إلى ٢٠٥ أي بزيادة ٥٦ نائباً، وهذا أيضاً يستحق التمعن من الفريق الحاكم، وخصوصاً أن أرقام الأصوات التي حصل عليها الحزبان الكبيران هي ٤٧،٨ في المئة للحزب اليميني و٤٥ في المئة للحزب اليساري، أي أن الرئيس يتمتع بأكثرية حاكمة في مجلس النواب بسبب النظام
الانتخابي.
وأنه (الرئيس) إذا أراد تطبيق أحد وعوده الانتخابية وتغيير النظام الانتخابي لـ «تطعيمه بقدر من النسبية» فإن الأكثرية الافتراضية لن تكون من فريقه.
كذلك يقطع حصول اليسار، بمختلف تياراته بما فيهم الخضر والشيوعيون، على 18 مقعداً طريق العديد من الإصلاحات بواسطة البرلمان مباشرة، وخصوصاً القوانين التي تمس الدستور والمعاهدات الدولية، والتي تتطلب الثلثين، الأمر الذي يجبر الحكومة على اللجوء إلى الاستفتاء لإمرار بعض من عهود المرشح ساركوزي.
ويمكن أن يرى ساركوزي أن هذه النتيجة، من الزاوية هذه، تمثّل هزيمة له، فهو ذهب إلى بولندا وإسبانيا ليروّج «للمعاهدة الأوروبية» الجديدة، البديلة للدستور، والتي كان يأمل أن يتم إمرارها في البرلمان خوفاً من سقوطها مرة أخرى في استفتاء شعبي، وهو ما بات ضرورياً إذا أراد السير قدماً في تجديد المعاهدة المجمدة منذ ٢٠٠٥.
وفيما كان الناخب الفرنسي لا ينتظر أي مفاجأة من هذه الانتخابات على أساس أن «القطيعة» قادمة، وقد فرضها انتصار ساركوزي في الرئاسة وفي طريقة الحكم، جاءته أخبار «قطيعة» من الحزب الاشتراكي بشكل خبر «إعلان فراق سيغولين رويال عن رفيقها ووالد أولادها الأربعة»، وذلك في بيان أعقب أخباراً عن توقع صدور كتاب لها تحت عنوان «عشية هزيمة» تحكي فيه تفاصيل انفصالها، وتعلن في صفحاته «قرارها العمل على الوصول إلى مركز الأمين العام الأول» الذي يحتله فرنسوا هولاند حتى نهاية ٢٠٠٨.
ويستعد الجميع لمتابعة المعركة داخل الحزب الاشتراكي، إذ إن هولاند يريد جعل هذا الانتصار غير المنتظر في رصيده لتغيير الحزب والسعي خلال السنة التي تفصله عن مؤتمر الحزب المقبل، إلى بناء حزب واسع يضم اليسار ليشمل الوسط، بينما يبدو أن رويال تعرف، كما حال كثيرين من كوادر الحزب، أن هذه النتيجة هي تعبير عن قوتها لدى الرأي العام.
ويقول البعض إنه إذا «تكالبت» القوى داخل الحزب لقطع الطريق على وصولها إلى المركز الأول فإنها مستعدة للذهاب بعيداً في «طريق القطيعة» لإيمانها بأن قاعدة الحزب إلى جانبها.
كذلك بدأت تسريبات كثيرة تتحدث عن استعداد لوران فابيوس وزمرة من يساريي الحزب للانشقاق إذا لم «يعد الحزب التشديد على طروح يسارية اجتماعية»، لاعتبارهم أن هذه النتيجة هي لأن الحزب أعاد مساره خلال الدورتين. وأبرز المطالب التي تهم اليسار ومنها التنديد بالضريبة المضافة الجديدة التي لوحت بها الحكومة أو بتراجع ساركوزي عن وعده بتخفيف قواعد الاستدانة وشروطها لذوي المداخيل الضعيفة.