نيويورك ــ نزار عبود
في عالم يزداد اشتعالاً مع توسّع الحرب على الإرهاب في العالم، باتت الجنسية الغربية عبئاً، وربما خطراً على الحياة. قد تحوّلك هدفاً للخطف أو الثأر، من دون التعرّف إلى هويتك أكانت عسكرية أم مدنية. سيان إن كنت تعمل في منظمة إغاثة، أو جمعية خيرية، أو حتى مجرد صحافي يحاول أن يرى الأمور بعينيه.
لم يعد يستطيع الغربي أن يسير بحرية ويشاهد الواقع من دون وسيط محلي مثلما كان يفعل قبل عقدين مثلاً. حتى الصحافي بات يفضّل مشاهدة ما يحدث في بغداد من خلال الصحافة والقنوات المحلية، وأحياناً يسأل مترجماً عربياً لكي يشرح له ما يجري، وفي أفضل الأحوال يخرج من المنطقة الخضراء في عربات محصّنة، ومن حوله حزام أمني يمنع أي عراقي من الاقتراب منه، حتى لو كان من القوات العراقية الموالية. وبذلك فإن معلوماته تكون دائماً رهن حيادية مصادره.
وهنا يُطرح السؤال عن تقرير الأمم المتحدة عن الصومال الذي صدر الخريف الماضي وتحدث عن 700 صومالي قاتلوا في جنوب لبنان إلى جانب المقاومة، وعن أربعة رجال أعمال إيرانيين يفتشون عن صفقات يورانيوم في ذلك البلد. ربما لم يصدق أحد التقرير «العجيب» الذي أنفقت الأمم المتحدة على وضعه مئات الآلاف من الدولارات. أما الغريب في الموضوع، فهو أن مجلس الأمن الدولي الذي تلقّى تقرير الأمين العام للأمم المتحدة السابق، كوفي أنان في 23 تشرين الأول الماضي، لم يشر إلى المقاتلين الصوماليين، ولا إلى رجال الأعمال الإيرانيين. ويعود ذلك إلى أن الرواية «لم تنطلِ على الأمين العام»، على حد تعبير الناطق باسمه. كذلك لم يقبلها بعض أعضاء مجلس الأمن، ولا سيما سفراء قطر وروسيا والصين.
مع ذلك، لم يفوّت مندوبا إسرائيل لدى المنظّمة الدولية، دان غيلرمان، والاميركي جون بولتون، مناسبة إلا تحدثا عن قضية الصوماليين كأنها حقيقة مثبتة (في تقارير الأمم المتحدة).
وفي هذا السياق، سبق للدبلوماسي البريطاني كاين روس، أن أُوفد إلى أفغانستان ليراقب الأمور عن قرب، وليكوّن تصوراً لحكومته عن مدى تقبّل السكان للعملية الديموقراطية وتجاوبهم مع قوات «التحرير». يقول روس إنه بعيداً عن كل ما تعلمه في سيرته الدبلوماسية عن كيفية تكوين «تصوّر ميداني»، وجد نفسه في أفغانستان يتنقل بعربات مدرعة تحت حراسة مشددة، ولا يزور مكاناً إلا برفقة عسكريين مدججين بالسلاح، ولا يسمع شيئاً إلا عبر مترجم يستطيع أن يثق بولائه.
في إحدى الإخباريات التي تلقتها القوات البريطانية، قيل إن هناك معسكراً مموّهاً أقامته حركة «طالبان» في موقع منعزل في الصحراء، وادعى أنهم حفروا خنادق وأقاموا قواعد لإطلاق الصواريخ.
ويتابع أنه على الفور، توجّهت مجموعة عسكرية معزّزة إلى المنطقة للتحقّق، وكان هو نفسه بينهم. هناك شاهد قبيلة صغيرة من رعاة الماعز، يمتلكون خيمة ممزقة نسجت من شعر الإبل، فبدت مثل غطاء الآليات المموّهة. وبالقرب منها، كان هناك مجرى لمياه الصرف الصحّي، حسبته مصادر الاستخبارات بعد مشاهدة صور الأقمار الصناعية والتثبت منها مع المخبرين المحليّين، خندقاً عسكرياً. ويضيف أنه «لو كان كان الحلفاء الأميركيون قد تلقّوا الإخبارية نفسها، لكانت طائراتهم انطلقت إليها على الفور من دون تحقّق»، على نسق ما فعلوه في العرس الذي قصفته القوات الأميركية في بلدة القائم العراقية قرب الحدود السورية في أوائل غزو العراق.
عندما انسحبت الولايات المتحدة من فيتنام مهزومة في 1975، ألقت اللوم في هزيمتها على الأصدقاء الذين خذلوها في معلومات مضلّلة. لا تنتظر واشنطن اليوم هروباً مشابهاً، فاللوم بدأ منذ عام، ويزداد مع كل فشل يبدأ استخباراتياً.