حاوره إيلي شلهوب
شدّد رئيس القائمة العراقية وحركة الوفاق إياد علاوي على أن الجبهة السياسية التي يعمد إلى إنشائها تستهدف تعديل مسار العملية السياسية العراقية «الغارقة في المحاصصة»، مشيراً إلى أن الجبهة لا تستهدف أي طرف. ودان التدخّل الإيراني في الشؤون العراقية، وحذّر من تبني مبدأ المحاصصة الطائفية و«لبننة العراق»


  • أين أصبحت الجبهة العريضة التي تعملون على إنشائها، وما هي أهدافها، ومتى ستعلنون ولادتها؟
    - الجبهة السياسية سوف تُعلن قريباً. وإن الاتصالات واللقاءات مستمرة. وهي تستهدف تعديل مسار العملية السياسية وتحويله من وضعه الراهن الغارق في المحاصصة، والجهويّة والطائفية وتعدد الميليشيات المسلحة، والذي يعاني من غياب الدولة العصرية القوية، إلى وضع آخر يكون مختلفاً بغرض الوصول إلى دولة تلتزم إطارات المشروع العراقي الوطني انطلاقاً من مبدأ «العراق لكل العراقيين»، وبناء مؤسسات الدولة لمواجهة التحديات المتنوعة من عسكرية وأمنية وخدمية واقتصادية.
    وسأجتمع قريباً مع بعض القادة الأكراد، وخصوصاً مع الأخ مسعود البرزاني لطرح التصورات المتصلة بإنشاء الجبهة عليهم. وهناك تقدم على أكثر من صعيد، ونحاول ألاّ تقتصر الجبهة فقط على قوى وأفراد ممثلين وأعضاء في المجلس النيابي، بل من خارجه أيضاً، ليكونوا جميعاً في صلب العملية السياسية لإيصال العراق إلى ما نصبو إليه من استقرار وتقدم.


  • كم هو عدد النواب الذين يرغبون في الانضمام إلى الجبهة؟
    - الأمر كما أشرت لم يعد يقتصر على النواب فحسب، بل إن هناك قوى وشخصيات سياسية وفاعليات مختلفة أعربت عن رغبتها في المشاركة في هذه العملية. وقد بدأنا نشهد ردود فعل إيجابية في الشارع العراقي. وبدأت تردنا، في حركة الوفاق، مقترحات وطلبات من قوى تعرض الاندماج في الحركة نفسها. وذلك لأن قوى المجتمع العراقي بدأت تشعر بأن النهج الحالي الذي تتّبعه الحكومة دمّر البنية العراقية وأضرّ بمصالح العراقيين شيعة وسنّة ومسيحيين وصابئة، وخصوصاً أننا اليوم أمام وضع كارثي جراء ما يحصل في محافظات الوسط والجنوب من اقتتال، ولا سيما في العمارة والديوانية والناصرية، وما حصل من قبل في النجف الأشرف ومنه جرائم كبيرة ترتكب بحق الشيعة من جانب قوات السلطة.
    إن المحاصصة أصبحت مصدر إيذاء للمجتمع العراقي. وعلى الرغم من أن الائتلاف الشيعي هو الذي يتولّى الحكم، فإن الشيعة تضرّروا بمقدار كبير، والشعب العراقي بات يتوق إلى إطار وطني غير طائفي يؤسّس لعراق يكون المواطن فيه، بصرف النظر عن دينه وعرقه وطائفته، مواطناً من الدرجة الأولى. والمعروف أن تظاهرات حاشدة بدأت تخرج في الولايات المتحدة الأميركية وكندا وستخرج في أوروبا، من المسيحيين الذين أرغموا على مغادرة العراق، تطالب بتأليف حكومة وحدة وطنية، وبوحدة المجتمع العراقي. وأيضاً فإن جزءاً من القوى والكتل التي كانت تشارك في الحكومة الحالية وتؤيدها، شرع يتحدث علناً عن رفض مشروع المحاصصة وتبنّي المشروع الوطني العراقي. ومن هذه القوى الكتلة الصدرية، بدليل ما صرّح به الأخ بهاء الأعرجي عن رفض الكتلة المحاصصة الطائفية. وهذا يعني بصريح العبارة أن الشعب العراقي يتطلّع إلى الإنقاذ من خلال هذا المشروع الجامع.


  • ثمّة مَن يتحدث عن وجود توجيه خارجي يهدف إلى مضاعفة عدد المنتمين إلى الجبهة المنتظرة وأن الغاية هي محاصرة الائتلاف وإضعافه؟
    - إن الأعداد تأتي بعد إطلاق الجبهة رسمياً. والقضية ليست قضية استهداف هذا الطرف ومحاصرة ذاك. فهناك تناقض حقيقي بين المشروع الوطني ومشروع المحاصصة. وإن المشروع الأول لم يحظ بعد بأي دعم عربي وإسلامي ودولي ملموس، فيما دول مهمة تداعت لدعم المنهاج الذي يعتمد المحاصصة في الانتخابات الأولى والثانية.


  • يتهمونكم بالسعي إلى الانقلاب على الحكومة من خلال عملكم لإنشاء الجبهة الوطنية الجديدة؟
    - أولاً إن الانقلاب غير وارد في تفكيرنا. ثانياً إن أي انقلاب غير عملي وغير ممكن. فكما هو معروف للقاصي والداني، إن الوضع السياسي الحالي في العراق مدعوم بقوة من الولايات المتحدة الأميركية التي تحمي النظام، ولولا القوات الأميركية لما استطاع هذا النظام البقاء حتى في المنطقة الخضراء نفسها. فضلاً عن ذلك، فإن دولاً إقليمية تدعم الحكومة الحالية بقوة. وقد صرح مسؤولوها علناً بذلك. أما مسألة سعينا لتغيير الأوضاع من خلال العملية السياسية، فهذا حق مشروع لكل عراقي عمل والتزم وناضل للوصول بالعراق إلى الأوضاع الديموقراطية التي اختطفت للأسف اختطافاً كاملاً. لكن تبقى حقوق ممارسة الرأي والرأي الآخر ضمن الأسس السلمية مسألة أساسية في تفكيرنا، وهذا ما نسعى لأجله. وإن ضعف الحكومة وانعدام ثقتها بنفسها من الأسباب الكامنة وراء الاتهامات الباطلة.


  • أنتم متهمون من خلال سعيكم لإنشاء هذه الجبهة بالعمل لتعديل موازين القوى لمصلحة السنّة ضد الشيعة إنفاذاً لطلب جهات إقليمية؟
    - إن هذه المبادرة انطلقت من عندي شخصياً. وقد زرت دولاً عدة عربية وإسلامية وأوروبية. وقلت صراحة خلال زياراتي إن تفتيت العراق لن يصب في مصلحة المنطقة وسلامها واستقرارها، وإن الخلاص من التفتيت يكمن في دعم المشروع الوطني العراقي الذي ينقذ بلاد الرافدين من حالة الانهيار. وبدأت هذا النشاط على أثر إعلاني في مقابلة مع التلفزيون البريطاني أن العراق دخل مرحلة الحرب الأهلية وينبغي التحرك لإنقاذه قبل أن يصل إلى نقطة اللاعودة. وكان ذلك منذ سنة. وإن النشاط رافقه انفتاح على القوى السياسية العراقية الشيعية والسنية والمسيحية، تحت عناوين سياسية لا طائفية. وأذكر في هذا السياق تصريحات آية الله اليعقوبي في النجف الأشرف، عندما تحدث بوضوح عن الحاجة إلى مشروع وطني عراقي، التي ترافقت مع جملة تطورات منها انسحاب حزب الفضيلة من مؤسسات الدولة والحكومة، وانسحاب وزراء التيار الصدري.

  • فهذه التحركات لا تقع في خانة تعديل الموازين لمصلحة السنّة، وهذا أمر مرفوض في ميزان المشروع الوطني الذي لا يؤمن بالولاء الطائفي. وبالتأكيد فإن الطائفيين السياسيين السنّة والشيعة والمسيحيين سيقفون ضد هذا المشروع. ونحن نذكر دائماً أن الأديان هي جزء من تراثنا وتقاليدنا وحضارتنا. لكننا ضد تسييس الدين والمذاهب. وإني أكشف لكم ولأول مرة عن رسائل بعثت بها إلى الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير قبل سنتين، أحذّرهما فيها من «لبننة» القضية العراقية ذاكراً فيها أن التقسيم في العراق يختلف عنه في لبنان، وأن التقسيم الطائفي دخيل على بلاد الرافدين ويجب عدم تشجيعه.

  • يقال إن الحركة السياسية التي تقومون بها تستهدف رحيل المالكي وعودتكم إلى رئاسة الحكومة؟
    - أنا لست منافساً للمالكي. منافسوه هم زملاؤه في قائمة الائتلاف العراقي. نحن ضد نموذج المحاصصة الطائفية. نحن نريد أن تتبنى حكومة العراق مشروعنا السياسي.


  • قدمت إيران إلى اجتماع شرم الشيخ في أيار الماضي ورقة تضمنت في أحد بنودها موقفاً رافضاً لعودتكم إلى رئاسة الحكومة العراقية، واتهمت بإطلاق طائرة استطلاع من دون طيار فوق منزلكم في بغداد، فما هو سبب معارضة طهران الشديدة لكم؟
    - أولاً أنا أدين الموقف الإيراني. وهذا دليل على تدخّل طهران في شؤون العراق وهو موقف لا يخدمها وأستغربه جداً، وخصوصاً أنني كنت ولا أزال في تصريحاتي ومواقفي أدعو إلى حوار بنّاء مع إيران. كذلك سبق أن دعوت مثلما أدعو اليوم الإدارة الأميركية إلى حوار مباشر مع طهران. وفي مؤتمر «شرم الشيخ» الأول الذي جاء بمبادرة شخصية مني لم أعلن عن موافقتي على بدء أعمال المؤتمر إلا حين تسلّمت رداً إيجابياً من طهران بواسطة الأخ عبد العزيز الحكيم بشأن مشاركتها في المؤتمر، كذلك عملت على تطوير العلاقات الاقتصادية معها عن طريق إرسال وفد كبير ورفيع المستوى برئاسة الأخ عادل عبد المهدي (نائب رئيس الجمهورية حالياً)، وذلك بهدف بناء علاقات اقتصادية متينة بين البلدين. فضلاً عن ذلك، فقد اتخذت إجراءات لوقف نشاطات حركة «مجاهدي خلق» العسكرية والأمنية والإعلامية، وحوّلت أسلحة الحركة الثقيلة إلى الجيش العراقي الفتي الذي أُسّس في عهدي. هذه نماذج عن مواقفي من إيران البلد الجار. وقد عبّرت عن استعدادنا السياسي للتعامل مع إيران واحترام خصوصيتها وسيادتها. وكنا نتوقع المعاملة بالمثل وألاّ يمثّل هذا الموقف ضعفاً من العراقيين والعراق. لكن يبدو أن هناك في إيران، مَن فسّر الموقف على غير حقيقته. وقد واجهت إجراءاتي لتطبيع الوضع مع إيران معارضة دولية شديدة لم أكترث لها انطلاقاً من حقائق الجغرافيا والتاريخ. لهذا كنت آمل أن تتم لقاءات عراقية ـــ إيرانية عوضاً عن اللقاءات الأميركية ـــ الإيرانية، على أن تكون اللقاءات العراقية ـــ الإيرانية مبنية على التكافؤ والمصالح المتوازنة والمشتركة بغرض بناء علاقات إيجابية والسعي معاً لحل مشكلات المنطقة التي تؤلّف مواقف طهران جزءاً منها.

  • والحقيقة أن هناك إشكالات عدة في الخليج العربي وخصوصاً مع دولة الإمارات، وكذلك في فلسطين ولبنان. ويتعيّن علينا جميعاً العمل والتعاون على حلها لمصلحة شعوب المنطقة من دون أي تدخل في التفاصيل، وفي كل ما ينتهك سيادتها وقرارها الوطني. وأملي أن تصل إيران إلى هذه القناعة وتتحرك ضمن هذا المفهوم. ولن يكون العراق الضعيف ضمانة لإيران، بل على العكس من ذلك سيتحوّل مسرحاً للعمل ضد إيران وغيرها من دول المنطقة.

  • هل فشلت الخطة الأميركية الأخيرة في العراق، أم أنها تحقق تقدماً؟

  • - إن الخطة فشلت فشلاً ذريعاً. وهي تكرّس مزيداً من الاقتتال. وقد سبق أن نبّهنا إلى أن قضية الأمن في العراق مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالوضع السياسي، وما لم تتأمّن مصالحة وطنية حقيقية في العراق فلا أمن. ولطالما ظلت الميليشيات والقوانين الاستثنائية التقسيمية قائمة، وما لم تعالج قضية الجيش السابق، وقانون اجتثاث البعث وتداعيات قانون الإرهاب السلبية، وما لم تقم مؤسسات وطنية عسكرية وأمنية يكون ولاؤها للوطن، فلن يكون هناك سلام وأمن واستقرار في العراق.
    وقلت هذا الكلام للمسؤولين الأميركيين وللجنرال باتريوس القائد الجديد للقوات الأميركية عندما اجتمعت به في منزلي ببغداد. وبدلاً من أن تتبنى الحكومة العراقية المصالحة، وجدناها تمضي بعيداً في التحدي. إذ لم تكتفِ بمحاسبة البعثيين والعسكريين والموظفين السابقين، والقوى الأخرى من مسيحيين وصابئة، بل راحت تعتدي على شركائها في العمل السياسي. وما يحصل حالياً في جنوب العراق يندى له الجبين. لذلك لن يكون هناك استقرار ما لم تعالج المسألة سياسياً.

  • ماذا يحصل إذا انسحبت القوات الأميركية قريباً؟

  • - تزداد الأمور سوءاً وتتعقّد. لذلك هناك تسارع في اللقاءات الأميركية ـــ الإيرانية، وهذا أمر معيب للبلدين. إذ يجب أن تكون هناك مفاوضات متوازية يشارك فيها العراق ودول الجوار والأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي. صحيح أن هناك خصوصية عراقية، لكن المقاربة يجب أن تكون جامعة لتشمل كل المنطقة. وهذا موضوع رسالة وجّهتها إلى الإدارة الأميركية منذ سبعة أشهر، وطالبت فيها بعقد مؤتمر دولي ـــ إقليمي مشابه لقمة «شرم الشيخ»، يبحث في الملفات العراقية والإيرانية والفلسطينية واللبنانية والسورية، ويشجع على المصالحة الوطنية. وكان أن عقد مؤتمر في أيار المنصرم على خلفية أن المعالجة ينبغي أن تخرج من الأقبية السرية الإيرانية ـــ الأميركية، وأن يكون الحديث مع العراقيين في كل الشؤون المتصلة بمصير وطنهم. وقد رأيتم ما آل إليه مؤتمر «شرم الشيخ» الثاني من نتائج.



    انتسب علّاوي، المولود عام 1945 في كنف عائلة شيعيّة، إلى حزب البعث فتياً عام 1960 وشارك في انقلاب عام 1963. ترك «البعث» عام 1975. عمل جاهداً طوال الثمانينيّات لتجنيد الكوادر ضدّ نظام صدّام حسين. وأعلن عن قيام جبهة «الوفاق الوطني» عام 1990. عيّن عام 2004 رئيساً للحكومة