كابول ــ شارلوت آغارت
يتجنّب الصحافيّون الأفغان معالجة مواضيع مثيرة للجدل مثل الفساد والمخدرات ونفوذ «زعماء الحرب» من قادة «طالبان» وحلفائهم الإسلاميّين، فيما لا تزال الديموقراطية غائبة لتسمح باستخدام حرية التعبير لأغراض مفيدة


كانت زكية زكي في الـ 35 من عمرها حين قُتلت في حزيران الماضي بـ 7 طلقات نارية، وهي كانت نائمة مع ابنها ذي العامين. نجا الطفل مع أبنائها الخمسة الآخرين.
كانت زكيّة المديرة الشابة لإذاعة «بايس» في إقليم «بروان»، وهي آخر ضحايا الحرب الإعلامية الدامية في أفغانستان، إذ قبل أيام، قتلت شكيبة سانجا أماج، ابنة الـ 22 عاماً من محطة «شامشاد» التلفزيونية الخاصّة.
الجريمة التي ارتكبتها زكية هي أنّها استخدمت حرية التعبير للتركيز على المواضيع الأكثر إثارة للجدل في البلاد: «الزعماء المجاهدين» السابقين وانتهاكهم المستمرّ لحقوق الانسان في حربهم على الاتحاد السوفياتي في الثمانينات من القرن الماضي والحرب الأهلية في التسعينات منه. ويشغل هؤلاء حالياً مناصب وزارية ونيابية، وقد منحوا أنفسهم الحصانة ضد الجرائم المرتكبة قبل الاجتياح الأميركي.
الضغوط المتزايدة
منذ سقوط نظام الطالبان قبل 5 سنوات، شهدت أفغانستان ثورة إعلامية لم يسبق لها مثيل. فبعد تعتيم شبه كامل، ازدهرت الشركات الإعلامية في مختلف أنحاء البلاد، لتتفرّع إلى أكثر من 400 صحيفة ومجلة، و50 محطة إذاعية، ووكالات أنباء عديدة، وعشر محطات تلفزيونية.
ساعد الدعم الدولي الشامل، وبخاصة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على بروز العديد من وسائل الإعلام المستقلّة، أصبح بمقدورها، وللمرّة الأولى، العمل في إطار حرية التعبير. إلّا أنّ الإعلام الأفغاني خضع في الآونة الأخيرة لكثير من الضغوط من جميع الجهات.
تمثّل «طالبان» وحلفاؤها الخطر الحسي الأكبر، فقد هدّدوا مراراً وتكراراً عدداً من الصحافيين وقتلوا بعضهم، في محاولة لتخويفهم من العمل لحساب الإعلام الخارجي والمحلّي التابع للحكومة.
ومن بين الضحايا، كثيرات من الصحافيات أمثال زكية، ممّن تحدين إمّا حدود حرية التعبير أو المعايير الاجتماعية الصارمة التي تتقيّد بها «طالبان» وغيرها من المجموعات الدينية المتشددة.
ويتحدث الصحافيون عن زيادة التهديدات والهجمات وخصوصاً خلال الأشهر الستة الأخيرة. ويقول رئيس الاتحاد الوطني للصحافيين فاضل سانغشاركي، «نحن قلقون للغاية على حرية الإعلام. بدأت الأوضاع تتفاقم مع سوء تصرف السلطات». ويشير إلى أنّ الضغوط التي يعانيها الإعلام تأتي من جهات عديدة مثل الحكومة والشرطة والادّعاء والميليشيا المحلّية وزعماء الحرب والبرلمان والمنظمات الإسلامية، وحتى من القوّات الدولية، موضحاً أنّ «المسؤولين يريدون سيطرة أكبر على الصحافة. الحكومة ضعيفة ولا تريد كشف هذا الضعف في وسائل الإعلام».
عمليات الخطف والقتل
بحسب اتحاد الصحافيين المستقلين، وهو يمثّل «اتّحاد ظلّ» بالنسبة للمذكور آنفاً، فإنّ تقارير السنوات الثلاث الأخيرة تبيّن زيادة في انتهاكات حقوق الصحافيّين (34 في عام 2004 و50 في عام 2005 و25 حتّى الآن من العام الجاري)، تنقسم بين القتل، والعنف الجسدي والتهديدات. إلّا أنّ معظم التهديدات والاعتداءات لا تسجَّل، نظراً لعدم توقّع المساعدة أو الحماية من أحد.
والتهديد الأكبر هو عمليّات الخطف التي تستهدف صحافيين وعمّالاً غير حكوميين أفغاناً أو أجانب في مقابل فدية، يقوم بها عناصر «طالبان» وحلفاؤهم.
فخلال الربيع الماضي، كثّفت «طالبان» عمليات الخطف بهدف سحب الأموال من الحكومات الأجنبية وتبادل الأسرى مع حكومة كابول. وكان من بين المخطوفين الصحافي الإيطالي دانيال ماستروجياكومو من صحيفة «لا ريبابليكا»، وأطلق في مقابل فدية بقيت مجهولة، إلى جانب إطلاق 5 من المقاتلين الأفغان من السجن الحكومي في كابول.
وعن هذا الموضوع، يقول الصحافي الروائي وأحد مؤسّسي «اتحاد الكتاب» في أفغانستان، حميد ساماي، إنّ «دفع إيطاليا للفدية جعل حياتنا أكثر خطورة، والمشكلة أن الحكومة الأفغانية لم تفعل المثل لأحد منا».
حرب المحطات التلفزيونية
فيما لقيت عمليات الخطف تغطية عالمية، استقطبت محاولات السلطات الأفغانية إقفال عدد من وسائل الإعلام المنتقدة لسياستها، اهتماماً مماثلاً قي أفغانستان. فقد ساعد افتتاح محطات تلفزيونية مستقلّة على خلق نوع من المواجهة، وإن كان السبب الوحيد مدى نفوذ الإعلام المرئي.
وتبرز على الساحة الإعلامية الأفغانية محطة «تولو» التجارية النافذة اقتصادياً والأكثر تحدّياً لحدود حرية التعبير، وبالتالي تواجه المشاكل مع السلطات.
ففي نيسان الماضي، تواجهت «تولو» مع المدّعي العام عبد الجبار سابت، حين لم يعجبه تحرير خطاب أدلى به في البرلمان. وبدلاً من التذمّر من طريقة التحرير، فضّل الطلب من مسلّحين إحضار الصحافيين إلى مكتبه، حيث يبدو أنهم تلقوا ضرباً مبرحاً.
ودفعت الحادثة بالمحطة إلى بث قصّة عن ماضي سابت وعضويّته في «الحزب الاسلامي»، الذي يقاتل حالياً إلى جانب «طالبان»، وأخرى عن تقديم الحكومة منزلاً وأرضاً له، وهو ما جعله يتوجّه إلى لجنة الإعلام التي يترأسها وزير الثقافة والإعلام، كريم خورام للشكوى. وبعد أيّام من المشاورات، أعطت اللجنة الحقّ إلى سابت وطلب من «تولو» الاعتذار.
أدت هذه القضية إلى تنظيم تظاهرات لمصلحة «تولو» وضدها، علماًَ أن العديد من الأفغان يرون برامجها غير متلائمة مع الإسلام. ويقول أحد مواطني العاصمة: «تلفزيون تولو ليس إسلامياً. فهو يهاجم دوماً شخصيات معروفة، وهذا يتعارض تماماً مع ثقافتنا»، ويضيف «حين أستيقظ صباحاً وأشعل التلفاز، أريد الاستماع إلى القرآن أو إلى برنامج ديني. في هذا الوقت، تعرض تولو برامج رقص».
إشكالية قانون إعلام جديد
يثير قانون جديد للإعلام، يناقش حالياً في البرلمان، قلق أهل الإعلام في البلاد، وخصوصاً في الفقرة الـ 33 منه التي تنصّ على «احترام وسائل الإعلام للدولة الأفغانية، وضرورة عدم استخدام عبارات بذيئة لإهانة الشعب وتلطيخ سمعة البعض».
كذلك يحظر القانون نشر معلومات يمكن «أن تزعج الرأي العام»، و«تشجّع ديانات غير الإسلام»، و«تؤذي» الأطفال والشباب خاصة «جسدياً، نفسياً أو أخلاقياً».
ويرى محرّر البرنامج الشهير «غود مورنينغ أفغانستان» (صباح الخير يا أفغانستان) باري سالم، أنّ الصحافيّين الأفغان عادّة ما يتوخّون الحذر الكامل عند تحدّي حدود حرية التعبير. ويقول «حتى إن فضحنا تاجر مخدرات كبير أو وزير فاسد، فلن يجرؤ أيّ شرطي أو محكمة على التصرف. فلماذا نعرّض حياتنا للخطر لأجل لا شيء؟».