strong>تجتمع كلّ الظروف السياسية الداخلية والخارجية ضدّ مشروع الحكومة العراقية الإسراع في عملية «المصالحة الوطنية»، فمع كشف الرئيس الأميركي جورج بوش عن «حلمه» برؤية العراق «إسرائيل ثانية» في المنطقة، بات نوري المالكي يترأس حكومة تفتقد العنصرين الشيعي والسني الرئيسيين في البلاد، مع تعليق «جبهة التوافق العراقية» مشاركتها فيها
لا يعرف رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي من أين يتلقّى «الضربات» السياسية في الآونة الأخيرة، فهو لم يكد يتنعّم طويلاً بإعلان التيار الصدري تأجيل مسيرته «المليونية» التي كانت مقرَّرة الخميس المقبل الى مدينة سامرّاء، حتى تلقّت تشكيلته الحكومية، ضربة كبيرة، مع إعلان كبرى الكتل السنية، «جبهة التوافق العراقية»، تعليق مشاركتها فيها، بعدما كانت قد قررت مقاطعة البرلمان.
ومنذ أول من أمس، بات المالكي رئيس حكومة الدولة المرسوم لها أن تصبح «إسرائيل ثانية» في المنطقة، حسبما كشف عنه الرئيس الأميركي، في سياق مزاوجة الديموقراطية مع احتمال استمرار العمليات «الإرهابية» في العراق، حيث قتل ستة من الجنود الأميركيين في بغداد، ليصل عديد قتلاهم الى 100 خلال شهر حزيران، الذي أصبح أحد ثمانية اشهر تُعدّ الاكثر دموية لقوات الاحتلال.

وأعلن رئيس «التوافق»، عدنان الدليمي، أن الجبهة قررت تعليق مشاركة وزرائها الستة في الحكومة «رداً على ما تعرّض له وزير الثقافة أسعد الهاشمي من انتهاك لحرمته». واشترط لعودة الوزراء الى الحكومة تقديم «اعتذار رسمي الى الهاشمي وتعويضه ما لحقه من أضرار مادية ومعنوية جرّاء إصدار مذكرة التوقيف بحقّه».
وبهذه الخطوة، تكون «التوافق» قد علّقت مشاركتها في السلطتين الثانية والثالثة في البلاد، بعدما كانت قد قرّرت الأسبوع الماضي تعليق مشاركة نوابها الـ 44 في البرلمان، على خلفية إقالة رئيسه محمود المشهداني.
وهكذا، باتت حكومة المالكي فاقدة للتمثيل السني الأساسي، وهو ما من شأنه التأثير سلبياً على التوازن الطائفي الهشّ الذي يحكم الخريطة المذهبية والعرقية في بلاد الرافدين. ويُضاف هذا التعليق «السني»، إلى غياب الكتلة البرلمانية الشيعية الرئيسية في البلاد، وهي الكتلة الصدرية، التي سبق أن انسحبت من السلطتين التنفيذية والتشريعية أيضاً.
وإذا كانت الحكومة قد تمكّنت من تعيين وزراء شيعة آخرين لملء فراغ الصدريين، فإنّ الاشكالية الرئيسية تُطرَح في تعيين بدلاء سنّة عن وزراء «التوافق»، أخذاً في الحساب أن غالبية السنة العرب تقاطع العملية السياسية وتراها «صنيعة الاحتلال»، في وقت لا تتمتّع الكتل السنية الأخرى (وأبرزها جبهة الحوار الوطني بزعامة صالح المطلك: 11 نائباً) بتمثيل شعبي حقيقي يؤهّلها لتولّي 6 مناصب وزارية.
وكان خبر تأجيل الزعيم الشيعي مقتدى الصدر للمسيرة الشعبية الى مرقد الإمامين العسكريين في سامراء حتى «إشعار آخر» قد طغى على المشهد السياسي العراقي أمس، نظراً «لكثرة الالتماسات» و«تخلّي الحكومة عن وعودها بتأمين الحماية للمسيرة»، حسبما أكّده إمام مسجد الكوفة الشيخ أسعد الناصري خلال خطبة الجمعة أمس.
بوش: إسرائيل نموذجاً
وفي خطاب ألقاه أول من أمس أمام كلية الحرب البحرية في ولاية رود آيلاند، أعرب الرئيس الأميركي جورج بوش عن أمله أن يصبح العراق «الأمة العربية النموذجية» الشبيهة بما وصلت عليه الأوضاع في إسرائيل، «حيث تمكّن اللإرهابيون سابقاً من إهدار الكثير من الدماء في هجمات انتحارية».
لكن الفارق بين التجربتين، بحسب الرئيس الأميركي نفسه، هو أن الدولة العبرية تسيّرها ديموقراطية تعمل من تلقاء نفسها، لذلك لم تتوقّف العملية الديموقراطية فيها، على الرغم من استمرار «العمليات الإرهابية». وأضاف أنّه على الرغم من أنّ الديموقراطية العراقية حديثة الولادة، «يجب ألّا يقترن تعريف النجاح الذي تحقّقه القوات الأميركية هناك بنهاية كاملة للهجمات، بل في إقامة ديموقراطية فعّالة رغم استمرار العنف»، وهو ما يُعدّ تغييراً أساسياً في الأولويات التي سبق أن وضعها لبقاء قواته هناك.
في سياق آخر، أقرّ مجلس الشيوخ الاميركي أول من أمس تعيين الجنرال دوغلاس لوتي (45 عاماً) مستشاراً جديداً لبوش لشؤون الحرب في العراق وأفغانستان، بعدما رفض ضبّاط كثيرون قبول تولّي هذا المنصب. وأقرّ لوتي، خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ، بشكوكه حول سياسة تعزيز القوات في العراق، لكنه رأى أنه من السابق لأوانه تقويم نجاح هذه السياسة من عدمها.
(الأخبار، أ ب، أ ف ب،
رويترز، د ب أ، يو بي آي)