strong>القاهرة ــ خالد محمود رمضان
مؤتمر شرم الشيخ يشهد خلافات حادّة تمنعه من الدعوة إلى انسحاب قوّات الاحتلال من العراق

بعبارات إنشائية بليغة، أنهت دول الجوار العراقي اليوم الثاني والأخير لمؤتمرها الموسّع في منتجع شرم الشيخ المخملي على ساحل البحر الأحمر أمس، متجنّبةً، في بيانها الختامي، توجيه أيّ انتقادات إلى حكومة نوري المالكي أو تحديد جدول زمني لانسحاب قوّات الاحتلال، فيما أفادت مصادر عربيّة مشاركة، في حديث «الأخبار»، أنّ وزيرة الخارجيّة الأميركيّة كوندليزا رايس مارست ضغوطاً سريّة من «وراء الكواليس»، كي يخرج البيان الختامي على هذه النحو.
وأشارت المصادر نفسها إلى أنّ رايس أبلغت كواليس المؤتمر رسالة واحدة هيمنت على روح البيان وهي «تعاملوا مع حكومة بغداد وإلّا...»، موضحةً أنّ المقصود بهذا التلميح هما مصر والسعودية على اعتبار أنهما تؤديان الدور الأبرز فى صياغة المواقف العربية في العراق وغيره من الملفات الإقليمية الحسّاسة.
وقال البيان الختامي للمؤتمر إنّ المشاركين فيه اتفقوا على «التشديد على الحاجة إلى مساعدة الحكومة العراقية في بناء قوات الدفاع والأمن على أسس وطنية ومهنيّة لتحمّل المسؤولية الكاملة والدفاع عن بلادها بما يمهد الطريق لإنهاء ولاية القوات المتعددة الجنسية»، التي ينتهي وجودها بناءً على طلب من الحكومة العراقية في توقيت توافق عليه وفقاً لقراري مجلس الأمن 1546 و 1723.
كما دعا البيان إلى «التعامل مع الطائفيّة وتفكيك الميليشيات والجماعات المسلحة غير القانونية» في العراق، مشدّداً على مساندته «الكاملة لجهود الحكومة الدستورية المنتخبة (في العراق) لتحقيق أهداف الشعب العراقي من أجل تحقيق الرفاهية والاستقلال والديموقراطية والفدرالية والوحدة».
وجدّد البيان المطالبة بمنع انتقال «الإرهابيّين والسّلاح» من العراق وإليه، مؤكّداً أهمية تعزيز التعاون بين العراق والدول المجاورة له في السيطرة على حدودهم المشتركة.
وفي شأن مسألة توسيع «المشاركة»، ركّز البيان على أهميّة العمل بنشاط على إشراك جميع مكونات الشعب العراقي في العملية السياسية الجارية والتحرّك على نحو يؤمّن شمولية هذه المشاركة، مشدّداً على سيادة ووحدة أراضي العراق واستقلاله السياسي ووحدته الوطنية وهويّته العربية والإسلامية وعدم جواز انتهاك حدوده المعترف بها دولياًَ وعدم التدخل فى شؤونه الداخلية.
وألقى البيان الضوء على وجوب استئناف التحضيرات لعقد مؤتمر المصالحة الوطنية العراقية تحت رعاية الجامعة العربية في أقرب وقت ممكن، مرحّباً بدور منظمة المؤتمر الاسلامي الفاعل فى تشجيع التسامح بين الطوائف المختلفة.
وكان وزير الخارجيّة المصري أحمد أبو الغيط قد اعترف بوجود خلافات بين بعض الدول المشاركة في الاجتماع والحكومتين العراقية والأميركية بخصوص جدولة انسحاب قوّات الاحتلال. وقال إنّ «هذا الأمر الخاصّ بالجدول الزمني للانسحاب استغرق النقاش فيه ساعات مستمرّة ووجد أنّه لكي نصل إلى توافق، فهذا أقصى ما يمكن التوصّل اليه».
وكشف الدبلوماسي المصري عن وجود مبادرة مصرية، لم يتمّ الاتفاق عليها، لتشكيل لجنة عمل رابعة تنبثق من المؤتمر مختصّة بجهود المصالحة الوطنية في العراق، إلى جانب لجان «الأمن والحدود» و«اللاجئين» و«الطاقة».
وكان أبو الغيط، الذي أشار إلى أنّ استقلال العراق ووحدة أراضيه هما الصيغة الوحيدة التي يمكن أن تحققّ الأمن والاستقرار، قد دعا خلال كلمته في المؤتمر أمس، إلى «التعجيل بيوم خروج القوات الأجنبية من العراق» من خلال «الإسراع في تطوير» قوّات الجيش والشرطة العراقية، مشدداً على أنه «لن يكون مصير دعاوى ومحاولات تقسيم العراق سوى الفشل».
وكان دبلوماسيّون قد قالوا إنّ الجانبين السوري والإيراني إضافة إلى الجامعة العربية كانوا يصرّون على وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية من العراق، إلّا أنّ الاجتماعات التحضيرية للجلسة النهائيّة شهدت خلافات على الموضوع، حيث رفض العراق فقرة في مشروع البيان الختامي الذي قدّمته مصر، تشير إلى تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية، وتمّ بالتالي تعديلها واعتماد صيغة جديدة لها.
وفي إطار الكلمات الافتتاحيّة لجلسة أمس، دعا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى خروج الاجتماع بـ «إجراءات عملية والتزامات بتعاون أوسع ضمن مبادئ حسن الجوار، بما يخدم الأهداف التي عقد من أجلها».
وقال المالكي إنّ مشاركة الدول في هذا المؤتمر تعكس اهتمامها وحرصها على المساهمة الإيجابية والفاعلة في دعم العملية السياسية فيه، مضيفاً إنّ «العراق الجديد، الذي تحكمه مؤسسات دستورية اختارها الشعب، يطبق الآليات الديموقراطية في اعتماد التداول السلمي للسلطة والتعددية وحرية التعبير والنقد».
وفي المقابل، عكست كلمات العرب التي ألقاها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى ووزير الخارجيّة السعودي سعود الفيصل، في جلسة أمس، قلقاً متزايداً تجاه الوضع الراهن فى العراق.
وقال موسى إنّه لابدّ من الاعتراف بأن الأوضاع فى العراق ازدادت حدّة وتداخلاً وتعقيداّ فى أبعادها الداخلية والخارجية كما تصاعدت المخاوف المرتبطة بالفتنة الطائفية مع ازدياد عمليات القتل على الهوية والتهجير القسري، داعياً إلى «تفاهم إقليمي ملتزم سلامة العراق ووحدة أراضيه».
أمّا الفيصل فقد حذّر من جانبه من أن «المخاطر الناتجة من استمرار الأوضاع المأساوية في العراق أو انزلاقه إلى حرب أهلية مدمّرة أو تنامي العمليات الإرهابية والنزاعات الطائفية ستشمل المنطقة بأسرها ولن يخرج منها أي طرف داخل العراق أو خارجه سليماً».
وشدّد الفيصل، الذي أشار إلى أنّه «ينبغي ألّا يتحوّل العراق إلى ساحة لتنافس القوى الإقليمية والدولية»، على دعم بلاده الكامل للعراق من دون أيّ تحفظ حول كلّ ما من شأنه إخراج البلاد من محنته الأليمة وتحقيق الاستقرار والأمن فيها وتجنيبها التدخّلات الخارجية فى شؤونها.



لابدّ من الاعتراف بأن الأوضاع فى العراق ازدادت حدّة وتداخلاً وتعقيداً فى أبعادها الداخلية والخارجية كما تصاعدت المخاوف المرتبطة بالفتنة الطائفية مع ازدياد عمليات القتل على الهوية والتهجير القسري