باريس ـــ الأخبار
وقفت مرشحة اليسار الفرنسي سيغولين رويال أمس، قبل ساعات من انتهاء الحملات الانتخابية وساعة الحسم غداً، لتدعو الشعب الفرنسي إلى «تكذيب الاستطلاعات». وتوجّهت نحو المترددين «ليفتحوا أعينهم ويختاروا الأخلاقية المدنية والحقيقة التي تواجه الحبكات» المبنية على الاستطلاعات والأكاذيب، منتقدة مباشرةً وسائل الإعلام التي يسيطر عليها ثلاثة من الأصدقاء الأثرياء لنيكولا ساركوزي. وطالبتهم بالتصدّي «لكل الأنظمة والسلطات المجتمعة في أيدي عدد محدود من الأشخاص».
ولم تتردّد رويال في التنبيه «إلى الخطر الذي يمثله وصول ساركوزي إلى الرئاسة على الأمن المدني». ووصفت اختياره بأنه «خيار الخطورة» وأنه يدفع فرنسا نحو «تشقّق اجتماعي».
وكان رئيس تحرير «اللوموند» جان ماري كولومباني قد فاجأ الرأي العام بافتتاحيته قبل يومين حيث دعا فيها بشكل غير مباشر إلى التصويت لمصلحة رويال، بعدما كانت الصحيفة العريقة قد وقفت خلال فترة طويلة إلى جانب ساركوزي، وهو ما جلب لها الكثير من الانتقادات.
وبرر كولومباني موقفه في الافتتاحية بأن مرشح اليمين «يعيد فرنسا لتعيش مواجهة طبقية»، ودفع الفرنسيين للتصدي بعضهم لبعض، وهي بعض شعارات رويال التي رددتها في حملتها. وأشار كولومباني أيضاً إلى ارتباط ساركوزي بفريق الرأسمال الكبير الذي يسيطر على الكثير من وسائل الإعلام المرئي والمكتوب، الأمر الذي يتطلّب «يقظة متوقّدة» للمحافظة على الحريات المدنية.
وقال كولومباني إن الحملة الانتخابية أظهرت وجود انقسام في فرنسا يفرزه توجهان سياسيان مختلفان. ورغم اعترافه بصعوبة «قراءة مشروع» المرشحة الاشتراكية، فهي وضعت برأيه إصبعها على علّات كثيرة تعانيها فرنسا اجتماعياً وتنعكس تراجعاً اقتصادياً وإضعافاً للدولة. في المقابل، رأى أن طروحات المرشح اليميني هي «مشروع أميركي» إذ تثري الطبقات العليا من الهرم الاجتماعي وتشجعها، وفي الوقت نفسه تتوجّه للطبقات الدنيا بحلول شعبوية تدغدغها، وهو ما يسمى بتوجّه «محافظ رحيم» يتجاهل الطبقات الوسطى التي بنيت عليها قوة فرنسا الاجتماعية.
ورغم توالي الدعوات من شتى الجمعيات والمنظمات إلى العمل على «قطع الطريق على ساركوزي»، فإن مرشح اليمين قال إن «دعوات العنف» لا يمكن أن تؤثّر على توجّهات الناخبين، وإن أصواتهم تقف وراءه لا وسائل الإعلام.
وكان عدد من رؤساء بلديات الضواحي قد اتخذ احتياطات للحيلولة دون حصول عمليات عنف نتيجة انتخاب مرشح اليمين، علماً أن المشاركة في الدورة الأولى في هذه المناطق كانت مرتفعة جداً، وهو ما يرى فيه البعض مؤشراً إلى «ارتفاع الحس المدني» يمنع اندلاع ثورة ضواح شبيهة بثورة عام ٢٠٠٥.
وبعد التردد الذي صاحب خياريه الأول والثاني، يقف الفرنسي أمام فرنسا جديدة تخرج من صناديق الاقتراع، ولكن أيضاً من تلابيب الطروحات التي تناثرت خلال الحملة الانتخابية الطويلة التي عاشتها البلاد، والتي غزتها المهرجانات والحملات والحملات المعاكسة.
ويودّع المواطن الفرنسي مع نهاية هذه الحملة حقبة كاملة من حياته السياسية ويدخل في إطار ممارسة سياسية مع وجوه جديدة وتركيبة موازين قوى جديدة، لعل أبرزها الوسط الذي أدى دوراً كبيراً في هذه الانتخابات، وفرض نفسه قوة ثالثة بين الحزبين الأساسيين اللذين حكما الحياة السياسية لعقود.