هآرتس» ـ اسحق بن يسرائيل
المسألة الأمنية الأهم، على المدى الزمني الفوري، هي إمكانية استئناف الحرب في الشمال في الصيف المقبل. وبرأيي، فإن احتمالات مثل هذه الحرب منخفضة.
صحيح، إن صورة الردع لدولة إسرائيل تضررت في حرب لبنان الثانية في الصيف الماضي. فقد تضاءلت، ولكن ليس بالقدر الذي يجعلها أدنى من المستوى اللازم لسوريا للشروع في حرب. ومع الزمن الذي يمر، يفهم السوريون أكثر فأكثر بأن انطباعهم الأوّلي عن ضعف الجيش الإسرائيلي في الحرب ضد حزب الله كان مغلوطاً. أولاً، تبيّن (لنا وللسوريين) بأن النتائج غير المرضية للحرب نبعت من عدم تجربة القيادة الأمنية ومن إدارة متخلخلة لقيادة الجيش الإسرائيلي، لا لسبب آخر غير قابل للإصلاح بسهولة نسبية. فقد قطع الجيش الإسرائيلي حتى الآن شوطاً كبيراً في مهمة الإصلاح، بإدارة رئيس الأركان الجديد، والقيادة السياسية توجد في ذروة عملية استخلاص العبر في هذه الأيام بالضبط.
ثانياً، في الوقت الذي مرّ، تمكّن السوريون من أن يفهموا أنه رغم أن الجيش الإسرائيلي لم ينجح في منع الكاتيوشا القصيرة المدى، والتي لا تحمل على آليات، فقد تمكن بشكل استثنائي من تدمير كل منصات إطلاق الصواريخ ذات المديين المتوسط والبعيد. وهذه بالذات موجودة في حوزة السوريين.
ثالثاً، وهذا ما عرفه السوريون دوماً، ففي الحرب ضد سوريا لن تلعب إسرائيل بأياد مربوطة خلف الظهر. الجيش السوري ليس ذراعاً مستقلاً يعمل في دولة على نحو منقطع عن قرارات الحكومة السورية، وإسرائيل لن تمتنع هذه المرة عن المس الحقيقي بالبنى التحتية الوطنية وبالسيادة السورية. وحتى احتلال دمشق وإسقاط النظام السوري لن يكون مستبعداً استبعاداً تاماً.
إمكانية أخرى لاندلاع الحرب في الصيف تتعلق باستئناف النار بمبادرة حزب الله. هذا الاحتمال أيضاً منخفض جداً. فمواطنو إسرائيل منشغلون بالتحقيق في العناصر التي أدت إلى النتائج غير المرضية في الحرب الأخيرة، ولعلنا لهذا السبب نميل إلى النسيان أنه كان للحرب نتائج مثيرة للانطباع أيضاً. أولاً، حزب الله تلقى ضربة شديدة وفقد بضع مئات من مقاتليه، أغلب الظن أكثر من 15 في المئة من إجمالي مقاتليه، إعادة بناء المعدات يمكنها أن تتم بسرعة، ولكن إعادة بناء القوة المقاتلة تستغرق سنوات. ثانياً، المنظمة لا يمكنها أن تعمل اليوم بحرية في جنوبي الليطاني، مثلما كان الأمر قبل حرب الصواريخ في الصيف الماضي. ثالثاً، (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله يجد صعوبة في أن يشرح للشعب اللبناني لماذا جلب عليهم الدمار في حرب لبنان الثانية، ومن المشكوك فيه أن يكون راغباً في الدخول في مغامرة مشابهة في السنوات المقبلة.
بالمناسبة، هذا هو السبب أن الأشهر التسعة التي مرت منذ الحرب الأخيرة كانت الأكثر هدوءاً في تاريخ حدودنا الشمالية منذ نحو 30 سنة.
ما سبق أن قيل أعلاه لا يتناقض والحاجة للاستعداد للحرب منذ الآن. فرضية عمل الجيش الإسرائيلي هي أن حرباً إضافية أخرى في الحدود الشمالية قد تنشب هذا الصيف، وحسن أن الأمر على هذا الشكل. توقّع الحروب ليس علماً دقيقاً، وعلى الجيش الإسرائيلي أن يكون مستعداً لكل احتمال. وفضلاً عن ذلك، فإن احتمال اندلاع حرب منوط بجاهزية الجيش الإسرائيلي. فكلما كان السوريون، أو رفاقهم الشيعة في محور الشرّ في الشمال، يعتقدون أن الجيش الإسرائيلي أقل استعداداً، تزداد الفرصة لاندلاع جولة أخرى من الحرب، وبالعكس.
وأخيراً، من المحظور علينا أن ننسى أيضاً العامل الإيراني. فهؤلاء من شأنهم في حالة احتدام النزاع مع العالم الحر، على خلفية سعيهم لنيل السلاح النووي، «التضحية» بفروعهم في لبنان وتوجيه الأمر لهم بفتح النار، حتى لو كان الأمر متعارضاً والمصلحة الضيقة لحزب الله. الجيش الإسرائيلي ملزم إذاً بالافتراض بأن الحرب في الصيف المقبل ممكنة، والاستعداد لها بكل الجدية، مثلما يجري اليوم حقاً.
قال الرومان «من يريد السلام فليستعدّ للحرب». وقد أجادوا القول.