strong>بول الأشقر
تحمل زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر إلى البرازيل، التي وصلها أول من أمس، دلالات عديدة، تتعدى حدود البلد المضيف، الذي يعتبر أول دولة كاثوليكية في العالم، لتطل على واقع الكاثوليكية في أميركا اللاتينية.
وتنقسم الزيارة البابوية، التي تمتد خلال خمسة أيام، إلى جزءين: جزء برازيلي محض يتضمن لقاءات مع الشباب وإعلان قدسية القس غالفان (أول كاثوليكي برازيلي يرفع إلى رتبة القداسة)، إضافة إلى لقاءات مع المسؤولين الكنسيين والسياسيين. وجزء إقليمي يتمثل بتدشين الحبر الأعظم أعمال الاجتماع العام لمطارنة أميركا اللاتينية نهار الأحد.
وبنديكتوس هو ثاني بابا يزور البرازيل، بعد البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، الذي قام بالخطوة نفسها ثلاث مرات.
لذلك من المرجح أن يحتفل البرازيليون بمجيء البابا كما احتفلوا قبل ربع قرن بالبابا السابق، ولكن السؤال يدور حول ردة فعل المثقف المحتشم الألماني. هل يتصرف كما فعل البولوني الرياضي الذي أدخل النجومية إلى عدة شغل الفاتيكان؟
يبدو أن أرقام انتشار الكاثوليكية في البرازيل بشكل خاص، وفي أميركا اللاتنية بشكل عام، تغشّ. ومع أن الكاثوليك ما زالوا يمثلون حوالى 80 في المئة من سكان أميركا اللاتينية، إلا أنهم أخذوا يتراجعون في الأوساط الفقيرة وفي أوساط الطبقات الوسطى لمصلحة الكنائس والملل والعقائد البروتستانتية المعروفة بتسمية «الإنجيليين».
ويختلف عمق هذه النزعة من دولة الى دولة، ولكنها ظاهرة متجانسة في كل الدول، حيث يقدر على سبيل المثال أن الكاثوليكية نزفت بنسبة 1 في المئة في السنة خلال آخر خمس عشرة سنة، وتراجع الكاثوليك من ثلاثة أرباع البرازيليين إلى ثلثيهم، فيما صار الإنجيليون يمثلون حوالى 20 في المئة من البرازيليين.
غير ان آخر الاستطلاعات تدل على أن النزف قد جفّ الآن، فيما الإنجيليون يتابعون نموهم، هذه المرة على حساب غير المتدينين.
أسباب هذه الظاهرة متعددة وتنسب عادة إلى طبيعة الدعوة «الإنجيلية»، التي توصف بالأبسط والتي تركز على علاقة أكثر حميمية وتعتمد في المقابل على الوسائل الإعلامية الجماهيرية مثل التلفزيون والطقوس الاحتفالية.
وبرزت هذه الثغرة في السبعينات عند نمو الكنيسة اليسارية المعروفة بـ«لاهوت التحرير»، التي حاربها البابا يوحنا بولس الثاني لتأثرها بالماركسية، والتي هزمت تنظيمياً في الثمانينات والتسعينات لمصلحة إيمان أكثر تقليدية.
وحسب الرواية الرسمية، فإن الانحراف اليساري أبعد الفقراء عن الكنيسة، ورماهم في أحضان الإنجيليين. لكن أنصار «لاهوت التحرير» لا يوافقون بالتأكيد على هذا التحليل، ويرون بالعكس، في مركزية الفاتيكان وفي تقليدية الكنيسة، والتي قد تتعمق الآن مع عودة الطقوس القديمة في القداديس، السبب الغالب لهذا التراجع. ويظهر هذه المرة في العمل الاجتماعي الكنسي بعض الانفتاح من دون التراجع عن الإدانة الفكرية، كما يدل تجميد المفكر اليسوعي سوبرينو في السالفادور قبل شهرين.
أيّاً يكن، وسع هذا التعدد الديني هامش مناورة السلطات المدنية التي كانت تعمل تحت خيمة الكاثوليكية الوحيدة والتي عليها اليوم أن تعترف بسلطات دينية أخرى وتتعاطى مع هيكلية شعبها كما هي موزعة في الواقع. ويتجلى هذا التمايز أكثر ما يتجلى في الشؤون المجتمعية حيث تزداد مقاربة السلطات المدنية للمواضيع التي يعتبرها الكاثوليك والإنجيليون مواضيع أخلاقية، على أنها شؤون تمت بصلة بسياسات الصحة العامة أو بالحقوق المدنية.
يصل البابا إلى البرازيل فيما ترتفع نبرة الخلاف بين الكنيسة والدولة حول موضوع الإجهاض، ومن المؤكد أن البابا أثار هذا الموضوع مع الرئيس لولا دا سيلفا صباح أمس، كما سيثيره في لقائه مع الشباب بعد ساعات في ملعب لكرة القدم.