موسكو ــ حبيب فوعاني
القمة الروسية ـ الأوروبية تنتهي بلا اتفاق وسط سجال حول حقوق الإنسان


لم تؤثّر الطبيعة الخلابة لـ«سويسرا الفولغا»، كما تسمى مدينة سمارا، إيجاباً على الاجتماعات الختامية الرسمية للقمة الأوروبية ــــــ الروسية أمس؛ ففي حين أن الجانبين الروسي والأوروبي حرصا عشيّة القمة على تبديد الشكوك حول تدهور العلاقات بينهما، لم تنجح «اللياقة الدبلوماسية» في إخفاء الجفاء والفتور اللذين يغلّفان العلاقات الحالية بينهما.
وكانت هذه العلاقات قد تدهورت على خلفية نزاع مصالح كثيرة، لا تقتصر على مشاكل الطاقة وقضايا الشراكة الاقتصادية الثنائية، بل تتعدّاها لتطال تفاصيل داخلية، منها ما هو مرتبط بالسياسات الروسية في الحريات العامة وحقوق الإنسان، وبعضها الآخر يتعلّق بالتعاطي الأوروبي مع روسيا على أنها دولة يجب أن تبقى من دون وزن سياسي إقليمي وعالمي فعّالين.
وإضافةً إلى المشكلات «القديمة»، طرأت أزمات جديدة سبّبها الأعضاء الجدد الصغار «المشاكسون» في الاتحاد الأوروبي مثل بولونيا واستونيا ولاتفيا. وتعقّدت العلاقة بين روسيا والدول الداخلة حديثاً إلى الاتحاد، بعدما تجاهلت وزيرة الخارجية البولونية آنّا فوتيغا دعوة نظيرها الروسي سيرغي لافروف، في شهر آذار الماضي، إلى زيارة موسكو، ما يشير إلى استبعاد توصّل روسيا إلى حل وسط مع الاتحاد الأوروبي في القريب المنظور، على الرغم من أن السلطات الروسية قامت أمس، ببادرة حسن نية مع إستونيا، وأعادت فتح الجسر الذي يربطها بها أمام الشاحنات الثقيلة، والذي كانت أغلقته بعد أزمة نقل النصب التذكاري السوفياتي.
وتركّز اهتمام المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركيل، التي ترأس بلادها الاتحاد الأوروبي، في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس المفوضية الأوروبية خوسي مانويل باروسو، على حقوق الإنسان في روسيا، وعبّرت عن قلقها تجاه ما سمته «قمع مسيرة غير الموافقين» (المعارضين للكرملين)، معربة عن أملها أن يستطيع هؤلاء التعبير عن آرائهم.
أما بوتين فقد أكد، من جهته، أن «غير الموافقين» لا يزعجونه، وأنْ لا شيء لديه ضد مسيراتهم، «إذا لم يخالف هؤلاء القوانين ولم يعرقلوا حياة المواطنين الآخرين».
وأضاف بوتين، متوجهاً إلى ميركل، «في هامبورغ، اعتقل 140 شخصاً فيما نوقف عندنا نحو عشرة أشخاص لدى قيام تظاهرة من 200 شخص»، في إشارة منه لسلسلة الاعتقالات التي تخلّلت تظاهرات في ألمانيا لمناسبة الأول من أيار.
ولم يوفّر الرئيس الروسي دول البلطيق من انتقاداته، فقال إنه خلال أعمال شغب في نهاية نيسان في تالين، إثر نقل نصب تذكاري للجيش الأحمر، «لم يكتفوا بتفريق المتظاهرين، بل قتلوا أحدهم»، في إشارة إلى الشرطة الاستونية، مطالباً بمعاقبة «المجرمين».
وفي استفزاز جديد للمستشارة الألمانية، ردّ بوتين على سؤال عمّا إذا كان يعُدُّ نفسه «ديموقراطياً صافياً»، بتساؤل: «هل هناك ديموقراطيون صافون في أي مكان في العالم، لنقل مثلاً في ألمانيا؟».
وأعرب باروسو، من جهته، عن التضامن الأوروبي مع بولونيا بالنسبة إلى موضوع الحظر الروسي على استيراد اللحوم، مشيراً إلى أن «لا سبب لمنع وصول هذه اللحوم من دول أميركا اللاتينية»، علماً بأن هذه القضية تعطّل المفاوضات في شراكة جديدة بين أوروبا وروسيا، وخصوصاً في موضوع الطاقة.
هذا الكلام دفع بوتين من جديد، لرفع منسوب التحدّي في كلامه، فرأى أنّ «الوضع في روسيا تغيّر كثيراً عما كان عليه في التسعينات حيث نمت طاقاتنا الاقتصادية بشكل كبير»، وشدّد على أن روسيا «ستدافع في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي عن مصالحها كما يفعل الأوروبيون».
وفيما أوضح بوتين أنه بات «من الصعب التوصل إلى لغة مشتركة معهم (الاتحاد الأوروبي)»، عاد وعبّر عن رضا بلاده عن مستوى العلاقات الثنائية.
وكما كان متوقّعاً، أعلن الجانبان أنه لم تُوَقَّع أي وثائق أو اتفاقيات، إلا أن الجميع أعربوا عن الرغبة في متابعة الحوار، نظراً لكون روسيا هي الشريك الاقتصادي الثالث بالنسبة إلى الأوروبيين، بعد الصين والولايات المتحدة، ومصدر الطاقة الأساسي لهم.
وفي سياق آخر خفّف من حدّة التوتّر بين الطرفين، صرّح وزير التنمية الاقتصادية والتجارة الروسي، جيرمان غريف، بأن روسيا والاتحاد الأوروبي اتفقا على حل جميع المسائل المتعلقة بانضمام بلاده إلى منظمة التجارة العالمية في الأسابيع القليلة المقبلة.