أربيل ــ وائل عبد الفتاح
نفى أي علاقة لكردستان بإسرائيل «فلسنا مصر ولا الأردن ولا قطر»


أصرّ عدنان المفتى أن تكون صورتنا بجوار علم كردستان. هي رسالة إلى أصدقاء في القاهرة وعواصم عربية عاش فيها: «انتصرنا رغم أنكم فقدتم الأمل».
حول هذا السؤال كان الحوار مع رئيس المجلس الوطني لكردستان العراق. فهو إلى جانب منصبه القريب جداً من صناعة القرار، شخصية هامة في العلاقة بين العرب والأكراد. ظل لفترة طويلة ممثل حزب الاتحاد الوطني (حزب جلال الطالباني) في القاهرة باعتباره مسؤولاً عن العلاقات العربية قبل أن يعود إلى كردستان. وتدرّج من وزير للبلدية إلى وزير للمالية فنائب لرئيس الوزراء، حتى انتخب سنة 2005 رئيساً للبرلمان.
يتكلم العربية بطلاقة، ويتوقف أحياناً ليراجع قاعدة نحوية ربما أخطأ فيها، والأهم أنه لم ينزعج من المخاوف التي بدت تشحن الأسئلة الموجهة له. أكد على حق الشعب الكردي «مثل شعوب العالم الأخرى، بأن تكون له دولته المستقلة»، لكنه أشار إلى أن الأكراد العراقيين «يؤمنون بالتعايش ضمن الدولة الفيدرالية»، نافياً ارتباطهم بالفصائل الكردية الأخرى في المنطقة.
ورفض المفتي انسحاب قوات الاحتلال في المرحلة الحالية، مشيراً إلى أن ذلك سيعزز مناخ الاقتتال الداخلي. كما نفى وجود أي علاقة بين كردستان وإسرائيل، مشدّداً على «دعم حق الشعب الفلسطيني، لكن ليس عبر الحروب». وفي ما يلي نص الحوار:

  • كردستان الآن في أي مرحلة؟
    - إنها في مرحلة البناء ومعالجة آثار سياسات الماضي. نريد أن نعبر مرحلة الحروب والأخطاء. ونبني مؤسسات ونضع تشريعات وقوانين تساهم في خلق مجتمع متجانس ومتسامح. وهذا يعتمد على نشر ثقافة الديموقراطية والالتزام بالدستور، ولا ننسى أيضاً متابعة لما يجري حوله من أحداث.

  • هل تشعرون بأنكم في مرحلة اندماج مع ما يسمى «العراق الجديد» أم أنكم في مرحلة ما قبل الدولة المستقلة؟
    - لا نستخدم تعبير «ما يسمى»، ونحن نتكلم عن العراق الجديد. نحن مع الدولة العراقية الجديدة. وبالتحديد الدولة الفيدرالية. ناضلنا من أجلها. وقدمنا ضحايا بالآلاف. أبناء كردستان كانوا في مقدمة المناضلين لكي نرى العراق من دون ديكتاتورية ومن دون نظام شمولي. نناضل من البداية لكي يكون عراقاً جديداً لكل أبنائه. هذا العراق ينبغى أن يكون نموذجاً للتعايش.

  • هل تراه لا يزال حلماً أم حقيقة؟
    - لديّ إيمان راسخ في إمكانية النجاح وتحقيق الحلم الذي يراود العراقيين. سننتصر على الأعداء الذين لا يريدون لنا أن ننجح. أعداء الديموقراطية أينما كانوا.

  • تبدو فكرة الأعداء حاضرة في أذهان الأكراد. حتى أن النشيد الوطني الكردي الآن يقول: «أيها العدوّ. نحن نتحدّاك». من هم أعداء الحلم الكردى بالتحديد؟
    - نحن نتكلم عن الواقع، لا عن الشعارات. نتكلّم بخطاب جديد يتخلّص من المنطلقات الخاطئة التي سادت المنطقة. لا بد من ثقافة جديدة في العراق والمنطقة كلها. ثقافة تستند إلى الواقعية، وتبنى على التسامح. علينا أن نواجه شعوبنا ونضعها أمام الحقائق. الصدق يلزمنا بأن نقول للناس كل شيء بصراحة وألا نخدع الجماهير بالشعارات ولا بالمواقف غير المسؤولة. لذلك علينا أن نسمي الأشياء بأسمائها. كما علينا أن نعرّف الإرهاب ونشخّصه. علينا أن نفصل الإسلام الحقيقي عن الإسلام الظلامي الذي يسيء إلى تاريخنا ومبادئ الدين الحقيقي.

  • لم تذكر الاحتلال من ضمن أسباب الإرهاب ولا ضمن أعداء الأكراد؟
    - الاحتلال وقتي. إذا تكلمنا عن الاحتلال من دون خوف ولا بكلمات تعبّر عن مجرد تسجيل مواقف، فإن أكبر خطأ ارتكبته قوات التحالف هو اللجوء إلى مجلس الأمن واستصدار قرار يؤكد أنها احتلال. وقد كان لهذا القرار نتائج وخيمة. أنا مؤمن أن الشعب العراقي قادر على بناء دولته ومؤسساتها وإدارة نفسه بنفسه، لكنّ ما حدث بعد سقوط النظام عقّد القضية العراقية كثيراً. ينبغى أيضاً أن نشير إلى النجاح النسبي للإرهاب في خلق الاحتقان الطائفي. لذلك أقول إننا لسنا في الوقت الذي نستطيع أن نعلن فيه أننا بنينا مؤسساتنا، وأن العراق بخير ولا نحتاج إلى وجود القوات الأجنبية، لأن الرؤية الحالية تشير إلى خطورة انسحاب هذه القوات في الوقت الحالي، لما له من تأثير سلبي في تصعيد الاقتتال الداخلي.
  • هذه نظرة مثالية جداً للاحتلال. هل هناك قوات أجنبية انسحبت من دون ضغوط أو من دون إرادة من أصحاب الأرض؟
    - علينا أن نحكم شعوبنا بصراحة، وعلى كل الذين يهمهم المعرفة إن وجود قوات التحالف يسبب مشكلة لحكومات دولها أولاً وقبل كل شيء. انظروا إلى ما يحدث في أميركا وبريطانيا. وجود القوات في العراق يحرج الحكومات ويؤثّر هذا بالتالي على أصوات الناخبين.

  • لكن هذه الحكومات اتخذت قراراتها بالاحتلال لا من أجل مصلحة العراق بل وفق مصالحها؟
    - أوافقك أن هذه الحكومات تتخذ قراراتها وفق مصالحها ومسؤولياتها أيضاً. ووفقاً لمصالحنا نحن، الوقت لم يحن بعد لرحيل هذه القوات. وعندما يحن الوقت سنقول لها شكراً لأنهم ساعدوا الشعب العراقي في الخلاص من الديكتاتورية البغيضة. الديكتاتورية هي سبب البلاء في ما يحدث الآن لا في الماضي فقط. ما يحدث الآن في العرق جزء من مسؤولية النظام السابق، بما في ذلك الاحتقان الطائفي.

  • أريد رأيك في موضوع أكثر حساسية بالنسبة لعلاقة الأكراد بالعرب. أقصد العلاقة بإسرائيل. هناك تقارير صحافية تعتبر أن كردستان هي «إسرائيل الثانية». كما أن الصحافة الإسرائيلية تشير الى تعاون عسكرى على مستوى الخبراء بين الأكراد وإسرائيل.
    - هل شاهدت طوال إقامتك فى أربيل أي إسرائيليين؟ عن نفسي، أنا لم أر إسرائيلياً واحداً في كردستان. كما أنه ليس هناك خبراء عسكريون إسرائيليون. كل هذا الحديث نتاج تصورات خاطئة ومواقف تعبر عن عدم الود تجاه شعب كردستان. ما أقوله ليس موقفاً من اليهود، ولا موقفاً حتى من القضية الفلسطينية، لكن الحديث عن تسرب إسرائيلي إلى كردستان هو موقف معاد لتطلعات شعب كردستان. أصحاب هذا الحديث يريدون إثارة الناس من حولنا ضدنا. كردستان ليست مصر ولا الأردن ولا قطر لكي تكون بحاجة إلى علاقات مع إسرائيل.

  • لكن إسرائيل تحتاج إلى هذه العلاقة. وأنتم تريدون إرضاء أميركا عبر الموافقة على تلك العلاقة؟
    - أين مصلحتنا في إقامة علاقات مع إسرائيل؟ نحن نطالب بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وقد ساندنا الشعب الفلسطيني. ولدينا علاقات نعتز بها مع كل الفصائل الفلسطينية. وأعتقد أن الحديث عن علاقتنا بإسرائيل هو نوع من ضرب تلك العلاقة الوثيقة بالقضية الفلسطينية. ونحن مع الفلسطينيين حتى تحقيق السلام، لأن الحروب لا تؤدي إلى نتيجة.

  • لكن الحرب أثمرت على مستوى الحلم الكردي؟
    - هذا نضال وليس حرباً. نحن كنا نواجه حرباً بالمقاومة. نحن شعب مقاوم واجهنا حرب النظام السابق وسياسة الأرض المحروقة وقتل الناس، ولأن نضالنا يستند إلى الحق والتاريخ والعدالة بالتأكيد سننتصر. وكذلك فإن الشعب الفلسطيني سيواجه إسرائيل معتمداً على حقوقه وتاريخه وسينجح، لكن بعيداً عن حرب لن تكون إلا هلاكاً على الجميع.

  • هل تعملون على إعلان كردستان دولة مستقلة قريباً؟
    - شعب كردستان له الحق في تقرير مصيره. يعيش على أرضه ولم يضطهد شعباً آخر. على العكس، كردستان تعرضت للاحتلال من كل الامبراطوريات الكبرى في المنطقة. لم نحتل أرض أحد. ولنا الحق مثل الشعوب الأخرى في دولتنا المستقلة. ولكننا نتعامل مع الواقع. ونعرف أن الواقع الذي فرض على المنطقة بعد الحرب الأولى قسّم كردستان إلى 4 أجزاء، ولكل جزء خصوصيته، حتى ان الجزء العراقي يختلف في نضالاته عن بقية الأجزاء الأخرى. نحن الآن نؤمن بالتعايش مع الدولة الفيدرالية الموحّدة في العراق. والمستقبل سيشهد تطوراً أكثر إيجابية على هذا المستوى. وسيتأكد يوماً بعد يوم أن التقوقع في إطار الدولة الواحدة لم يعد ممكناً. نحن ننظر إلى أوروبا التى عاشت حروباً وكان ضحاياها بالملايين وهي تقترب من بعضها وتزيل الحدود وتوحّد العملة. ونرى أنه لدينا فرصة في ما يتعلق بالعراق الجديد. أن يكون كل العراقيين متساوين كما ينص الدستور الذي صوّتنا له. العراق الجديد قوة لنا ببعده الإقليمي والعربي والإسلامي.

  • هل تفكرون في دولة كردستان الكبرى؟ هل هناك تنسيق بينكم وبين الأحزاب الكردية المتمردة في الأجزاء الأخرى، حزب العمال الكردستاني في تركيا مثلاً؟
    - لا علاقة لنا بحزب العمال الكردستاني في تركيا، ولا نتعاون معهم على المستوى السياسي أو العسكري. لكن لديهم تواجداً في المثلث الحدودي بين العراق وإيران وتركيا. تواجد عسكري ولهم طرقهم وتنظيمهم الخاص ويعملون في تركيا. لا نتدخل في شؤونهم، لكننا عندما نتكلم عن الكرد، فإننا نعني الأكراد الموجودين في الأجزاء الأخرى والدول الأخرى. ونحن نعتبر أنفسنا جزءاً من أمة لدينا شعور مشترك، ولدينا تاريخ من المعاناة المشتركة مع فهم حقيقة بأن كل جزء لديه خصوصية في اختيار طريق نضال يصل به إلى حقوقه.