موسكو ــ حبيب فوعاني
المواجهة السياسية، التي بدأت في أوكرانيا في 2 نيسان الماضي عندما أصدر الرئيس فيكتور يوتشِّينكو مرسومه بحل البرلمان، واستمرت نحو شهرين، انتهت الأحد على حين غرة حين استطاع اللاعبون الأساسيون إيجاد لغة مشتركة بينهم وتمكنوا في ليلة عيد الثالوث الأقدس من حل جميع المشكلات المستعصية.
وبعد سبع ساعات من المفاوضات بين يوتشِّينكو وغريميه رئيس الوزراء فيكتور يانوكوفيتش ورئيس الرادا العليا (البرلمان) ألكسندر موروز، أدلوا ببيان مشترك تم فيه بشكل أساسي تحديد 30 أيلول المقبل موعداً للانتخابات البرلمانية المبكرة.
وقد سبقت اتفاق «الثالوث الأقدس» السياسي الأوكراني أنباء عن نية الرئيس الأوكراني تطبيق السيناريو الروسي لعام 1993، عندما حسم الرئيس الراحل بوريس يلتسين خلافه مع البرلمان الروسي بمدافع الدبابات. وسرت الشائعات عن تحرك قوافل قوات الداخل الموالية للرئيس نحو كييف، التي أوقفتها عند مشارف العاصمة الأوكرانية قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية الموالية لرئيس الوزراء.
والحل العسكري لم يكن مربحاً ليانوكوفيتش القوي، بل ليوتشِّينكو الضعيف، الذي وضع بقراره حل البرلمان، بلاده على شفا الحرب الأهلية والانقسام، والذي أراد بإزاحته الحكومة القوية، إعادة بسط نفوذه المتآكل على البلاد بقوة الحراب. غير أن حزب «المناطق»، الذي يرأسه يانوكوفيتش، والذي حقق أكبر انتصاراته في الانتخابات البرلمانية لعام 2006 وأصبح بالفعل أكبر حزب في أوروبا، نجح في الصمود أمام الضغط السياسي والأمني من جانب الرئيس. ولم يُرِدْ أن يتخلى عن السلطة «للبرتقاليين» مرة أخرى كما فعل في نهاية عام 2004.
ويتوقع المراقبون أن ينال حزب «المناطق» في الانتخابات الجديدة المرتقبة الأصوات نفسها، التي نالها في عام 2006، فيما سيخسر حزب الرئيس «ناشا أوكرانيا» قسماً كبيراً من أصوات ناخبيه المتواضعة الآن على أي حال، والتي ستذهب إلى كتلة رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو.
ويتساءل المراقبون عن سبب افتعال يوتشِّينكو لهذه الأزمة منذ البداية؟
ويبدو أن المشكلة تتلخّص في عدم استقلالية يوتشِّينكو، أو على الأصح في تبعيته للأميرة البرتقالية تيموشينكو و«الشركاء» الأميركيين، الذين جاؤوا به في حقيقة الأمر إلى السلطة؛
إذ لم يرق لواشنطن انتصار حزب «المناطق» في الانتخابات البرلمانية الماضية وسيطرته مع الاشتراكيين والشيوعيين الأوكرانيين على «الرادا» وتوسيع صلاحياتها والحكومة على حساب الرئيس.
وقد عِيلَ صبر الولايات المتحدة عندما أُجبِر وزير الخارجية بوريس تاراسيوك على الاستقالة، وهو يُعدّ مع وزير الدفاع اناتولي غريتسينكو من أشد أنصار انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي. هذا، بينما كانت حكومة يانوكوفيتش تتّخذ موقفاً حذراً وتتملص من قبول برنامج الكونغرس الأميركي في شأن توسيع منطقة الحلف إلى شرق أوروبا، وذلك ما جعل وزارة الخارجية الأميركية تقوم بنشاط دبلوماسي حثيث وشبه سري، وتستقبل الزعماء الأوكرانيين «البرتقاليين» للتشاور معهم في واشنطن وفي السفارة الأميركية في كييف قبل أيام من مرسوم الرئيس الأوكراني بحل البرلمان.
لماذا احتاجت الإدارة الأميركية إلى حل البرلمان الأوكراني؟.
يجيب المحلل السياسي الروسي فيكتور فيودوروف بأن الهدف هو «زعزعة النظام الحكومي في أوكرانيا، التي لا تزال حتى الآن دولة موحدة. الانتخابات المقبلة ستعزّز مواقع الراديكاليين البرتقاليين من كتلة الأميرة البرتقالية، ما يضيِّق المجال أمام التوصل إلى حلول وسط مع الأطراف الأخرى على الساحة الأوكرانية. وسيتعرّض الأُنموذج الديموقراطي الأوكراني وجهاز الدولة إلى الهجمات من جانب الراديكاليين والانفصاليين من الجانبين. وستعمل هذه الخلافات لمصلحة خلخلة كيان الدولة وشق الفضاء السياسي الموحّد».
ويؤكد فيودوروف أن الهدف الاستراتيجي للإدارة الأميركية هو تقسيم أوكرانيا إلى جنوبية ــــــ شرقية، حيث الأغلبية الناطقة باللغة الروسية، وجنوبية ــــــ غربية موالية للغرب، في حالة استحالة بسط السيطرة الأميركية السياسية على أوكرانيا كاملة.
وبذلك تفقد روسيا، ولو جزئياً، سيطرتها على شبكة أنابيب النفط والغاز، التي تمر عبر هذه المناطق إلى أوروبا. وهذا يعني أن الولايات المتحدة ستمتلك ورقة الطاقة الهامة في يدها وستحاول إملاء إرادتها ليس فقط على روسيا بل على الاتحاد الأوروبي أيضاً، الذي تعتمد دوله كثيراً على هذه الأنابيب للحصول على موارد الطاقة الروسية.