strong>باريس ــ بسّام الطيارة
«يسار اليسار» الفرنسي، حلقة تاريخيّة متجدّدة في حلبة الصراع السياسيّ. تعيش استحقاق الانتخابات الرئاسيّة هذا العام عبر صراع داخليّ شرس بين جيلين من تنظيمين عريقين، رغم تطابق البرامج الانتخابيّة

لا فارق كبيراً بين برنامج «عميدة المرشحين» للانتخابات الفرنسية ممثلة «النضال العمالي» التروتسكية أرليت لاغييه وبرنامج «شاب المرشحين» ممثل «الرابطة الشيوعية الثورية» التروتسكي أيضاً فرانسوا بوزانسونو، سوى أنّ الأولى هي امرأة والثاني هو رجل وأنها على عتبة سن التقاعد وهو في مقتبل العمر.
ومع ذلك، فإن الصراع بين الجماعتين الداعمتين لهما هو قتال على حدّ السكين. ومهما كانت احتمالات التقارب بين المجموعات الصغيرة ممكنة، فهي مستحيلة بين «الحزبين الشقيقين».
يجذب الاثنان انتباه المواطنين بسبب تفانيهما في العمل وفي «النضال» ويثيران إعجاب الناخبين للحرارة التي تصبغ تحرّكهما واندفاعهما للدفاع عن المظلومين والفقراء والمتواضعين في أسفل السلّم الاجتماعي. ورغم هذا فإنهما عاجزان عن «رسملة» هذا الإعجاب. وتبدو معاركهما «دون كيشوتية» لا تقودهما إلى أيّ نتيجة.
أرليت لاغييه
مرشحة منظّمة «النضال العمالي» (٦٧ سنة) وأحد مؤسّسيها. تترشّح للمرة السادسة لانتخابات الرئاسة الفرنسية. دخلت معترك العمل السياسي عبر الحركات المناهضة لحرب الجزائر والمطالبة باستقلالها، وفي سياق نضال والدها العامل دخلت حركة العمال النقابية. وقد سُلطت الأضواء عليها حين كانت وراء إضراب في الـ «كريديه ليونيه»، أكبر مصرف عام ١٩٦٨، ما تسبّب بتعطّل العمل في مجمل الجهاز المصرفي الفرنسي.
وكانت لاغييه أوّل امرأة تترشّح للانتخابات الرئاسية عام ١٩٧٤ مع أنها اشتهرت بقولها «إنّ العمّال لن يحصلوا على حقوقهم عبر صندوق الاقتراع، بل بواسطة الإضراب». وحصلت يومها على 2.3 في المئة من الأصوات.
وفي عام ١٩٩٥، حصدت ٥ في المئة من الأصوات في الدورة الأولى وتجاوزت للمرّة الأولى الحزب الشيوعي وانتخبت في البرلمان الأوروبي إلى جانب ٢٠ نائباً وقطفت عدداً من المجالس المحلية، بعدما تحالفت مع الرابطة الشيوعية الثورية المنافس و«الشقيق اللدود».
وقطعت لاغييه العلاقات الانتخابية كلّها مع «الرابطة» منذ عامين ولم تدخل في المفاوضات التي جرت لتحديد مرشّح واحد يمثّل «يسار اليسار». ورغم إعلانها أن هذه الحملة هي آخر حملة تشارك فيها، إلّا أنّه من المتوقّع أن تفاوض بقوّة الحزب الاشتراكي لتجيير الأصوات لمرشحته في الدورة الثانية في محاولة للعودة لبعض المجالس المحلية في ظل الانتخابات التي يمكن أن تلي انتخاب الرئيس الجديد.

أوليفيه بوزاسونو
مرشح «الرابطة الشيوعية» الثورية للمرّة الثانية، رغم أنه لم يتجاوز الـ٣٢ سنة من العمر. مهنته ساعي بريد «وسعيد بها» كما يقول رغم أنه مجاز بالتاريخ والعلاقات الدولية.
أدخل بوزاسونو منذ 5 سنوات بعض التجديد على وجوه المرشّحين، حيث يتّفق ٦٥ في المئة من الفرنسيين على أنه «مهضوم ولطيف». ومع أن الاستطلاعات الأخيرة لا تعطيه أكثر من 4.5 في المئة من الأصوات، إلا أن الرأي العام الفرنسي يرى فيه صورة الشاب المؤمن بقضاياه وببرنامجه ويحتلّ مراتب عاليه في «الصدقية السياسية».
يعرف التروتسكي الشاب بنفسه على أنّه «شيوعي ديموقراطي مناهض للعولمة المتوحشة» ولا يتردّد بالاستشهاد بـ«روزا لوكسمبورغ» و«تشي غيفارا» مع إعطاء صبغة حديثة لشواهده تتلاءم مع المجتمع الفرنسي الحديث. وقد دخل التاريخ لكونه أصغر المرشحين سناً في تاريخ الجمهورية الفرنسية.
ورغم أن طروحات «الرابطة» تبدو «ثورية» للناظر إلى الساحة السياسية الفرنسية، إلا أنها لا «تصدم الفرنسي العادي» ويرى فيها نوعاً من الحجج التي يمكن أن تحفّز الأحزاب الكبرى على التقرّب من متطلبات الطبقات المسحوقة.
ويتفق جميع المراقبين على أن بوزانسونو يمكن أن يؤدي دوراً كبيراً في يسار فرنسي ينتظر نوعاً من «التطوير ليتلاءم» مع تطلّعات الحداثة السياسية والاقتصادية التي عصفت بفرنسا منذ ما بعد الحرب، وأنه من القادرين بعد غياب قدماء «الرابطة» أن يغيّر في طروحاتها ليقدم على تحالف مع «الاشتراكي» ومع «الخضر» يمكّنه من احتلال مركز يتلاءم مع محبّة الشعب الفرنسي له.