strong>باريس ــ بسّام الطيارة
فرنسا على موعد غداً الأحد مع المرحلة الأولى من الانتخابات
الرئاسية التي تشكّل الخطوة الأولى في الطريق إلى الإليزيه. ورغم الاستطلاعات والتوقعّات التي تحسم سلفاً الواصلين إلى الدورة الثانية، إلا أن معطيات كثيرة تنبئ بمفاجآت

من منتصف ليل الجمعة السبت، انتهت الحملة الانتخابية وبات، بحسب القانون الفرنسي، محظوراً نشر أي استطلاع أو إقامة أي حفل انتخابي. أربع وعشرون ساعة يتركها القانون للناخب كي يعود إلى نفسه ويبتعد عن تأثير حملات المرشحين «الإعلامية الإعلانية». إنها فترة الراحة التي تسبق يوم الانتخاب. يوم الأحد سيتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في الدورة الأولى، إما لاختيار من يرغبون بأن يكون حاضراً في الدورة الثانية أو لاختيار من يستطيع أن يقطع الطريق على نجاح من لا يريدون أن يصل إليها.
النتيجة ستعلن غداً، عندها يتبدى الخيط الأبيض من الخيط الأسود وتنفرز الخطوط الرمادية التي يتمسك بها حتى الساعة المترددون. انتهت الحملة الرسمية وذهب كل مرشح لقطف قسط من الراحة بانتظار «سهرة النتائج». إلا أن توتر الأعصاب لدى المرشحين وآلاتهم الانتخابية لا يزال متوّقداً، لا بل إنه في ازدياد ملحوظ بسبب تراكم الاستطلاعات المتناقضة بعض الشيء رغم تشابهها في فرز «فرسان الطليعة الأربعة» من جهة والباقين من جهة أخرى.
إلا أن الثقة في هذه الاستطلاعات باتت في حال يرثى لها لأسباب كثيرة، منها ما يعود إلى انتخابات عام ٢٠٠٢ حين عجزت مؤسسات الاستطلاع عن توقّع وصول اليميني المتطرف جان ماري لوبن إلى الدورة الثانية بعدما هزم ليونيل جوسبان الذي كان يحتل رأس قائمة الاستطلاعات قبل التصويت.
ويؤدي التفاوت الكبير في الأرقام التي تغزو صفحات الإعلام دوراً كبيراً في بناء هالة من الشك حول «ملاءمة الاستطلاعات» مع الوقائع على الأرض. ويغذي هذا الشك التنبيهات التي صدرت مرات عديدة من جهاز مراقبة الاستطلاعات، التي أشارت إلى أخطاء كانت وراء توجيه «إنذارات صارمة» لبعض المؤسسات حول «جدية» ما يصدر عنها.
وللمرة الأولى تبدو الاستطلاعات بعيدة جداً عن الأرقام التي ينتظرها المراقبون استناداً إلى الانتخابات السابقة.
فإن معظم الاستطلاعات تعطي الأربعة الذين يتصدرون من ٨٣ إلى ٨٦ في المئة وتوزّع النسب المتبقية على «المرشحين الصغار»، وهذا ما لا يتطابق مع الانتخابات السابقة. كما أن كل الاستطلاعات تسجل لنيكولا ساركوزي معدلاً «لم يكن يوماً أقل من ٢٦ في المئة»، وهو رقم لا يتناسب بتاتاً مع أرقام الانتخابات السابقة، وخصوصاً أن أرقام رويال كانت دائماً بمعدل ٢٣ في المئة. والجدير بالذكر أن جاك شيراك حل أول في الانتخابات الماضية وحصل على نحو ١٩ في المئة، بينما حصل لوبن على 17.7 في المئةومن جهة أخرى، فإن «مجموع الأصوات المحسوبة على اليسار» لا تتجاوز ٣٣ في المئة، رغم وجود سبعة مرشحين من اليسار، وهو ما لم تشهده فرنسا سابقاً، رغم كل ما يقال عن «انحيازها نحو اليمين»، وهذا ما يدفع البعض إلى التشكك كثيراً في تناسب الاستطلاعات مع حقيقة توجهات الناخبين. وقد يكون هذا العنصر من العناصر المفاجئة التي يمكن أن تحصل يوم غد، ذلك أن يوم الأحد لا يمكن إلا أن يكون يوم المفاجآت ومنطلقاً للتغيير ولقلب صفحة جديدة في الحياة السياسية الفرنسية؛ فنتائج الدورة الأولى، أياً كان الرابحان، تفتح أبواب تحالفات جديدة تذهب من الوسط يساراً من جهة ويميناً من جهة أخرى.
فقد أخذت سيغولين رويال موقعها في اليسار وناشدت « قوى اليسار كافة»، طالبة منهم أن يصوّتوا لها بشكل حاسم «من الدورة الأولى» وعدم الانتظار للدورة الثانية، منتظرة وصولها إلى الدورة الثانية للانفتاح على الوسط، وكما يقول البعض، البدء بـ«التفاوض السري مع بعض عناصر (فرانسوا) بايرو».
كذلك فعل ساركوزي، الذي لم يعد يتردد في توجيه نداءات مكشوفة لناخبي اليمين المتطرف، محاولاً «نهش أكبر قدر منهم في الدورة الأولى». فساركوزي يعرف أن الخطر الكبير الذي يتهدده هو «ألا يلحق به عدد كاف من ناخبي لوبن» لأن معظم الاستطلاعات التي تضعه في رأس القائمة مبنيّة على أساس أن قسماً كبيراً من أصوات اليمين المتطرف ستذهب إليه، بعد أن «تشدد خطابه يمينياً»، وتبنّى معظم طروحات لوبن ما عدا «الطروحات اللاسامية» الخاصة بانتقاد اليهود وقوتهم في عالم المال والإعلام.
إلا أن «قاعدة لوبن» هي قاعدة إيديولوجية متماسكة، وليست مثل بقية شرائح الناخبين تنتقي من المرشحين من يكون الأقرب لأفكارها. بل هي «متجانسة الآفكار»، وإذا لم يقدّم لها مرشح «برنامجاً يمينياً متجانساً» فإنها لن تعطيه أصواتها. وقد حصل هذا سابقاً، إذ إن قسماً كبيراً من ناخبي لوبن يعزفون عن التصويت حين لا يكون أحد مرشحي الجبهة الوطنية حاضراً في الدورة الثانية، حتى ولو أدى ذلك إلى خسارة اليمين التقليدي.
وأمام ساركوزي مشكلة أخرى في داخل قاعدته، وفي داخل حزبه «التجمع من أجل أكثرية شعبية». إذ إن عدداً لا بأس به من محازبي التجمع هم أساساً من الحزب الديغولي الذي أسسه جاك شيراك عام ١٩٧٦ قبل أن تذوب داخله الأحزاب التي دعمته في الانتخابات السابقة. ولا ينظر الديغوليون بسرور لما يسميه البعض «استسلام شيراك لانتهازية ساركوزي»، ولا يتردد البعض باتهام هذا الأخير بأنه «سطا على التجمع». وهذه الأعداد تراها مؤسسات الاستطلاع في عملية «التصحيحات السياسية» التي تجريها على النتائج لمصلحة ساركوزي، لكن لا أحد يستطيع الجزم بأن كل المنتسبين للحزب الحاكم سيصوتون لساركوزي، وقد سبق لإدوار بالادور أن خبر هذا الأمر وذاق الخسارة بسببه.
ومن الأخطار الأخرى التي تهدّد وصول ساركوزي إلى الدورة الثانية، تعاطي اليمين المعتدل مع طروحات بايرو، الذي وضع نفسه في موقع الوسط منفتحاً على اليسار، وخصوصاً على اليسار الذي لم يقتنع برويال ممثلة للاشتراكية الديموقراطية الليبرالية. كما أنه لم يقل يوماً ما إنه يتراجع عن مواقعه السابقة التي كانت يمينية حتى الأمس.
وأمام جملة هذه المعادلات، التي يمكن أن تخلط التوقعات المنتظرة كافة، يقف الناخب الفرنسي غير حائر البتة، فهو ينتظر مفاجأة. وكلما كان الغموض يلف هذه المفاجأة سميكاً، كانت هذه الأخيرة أكثر لذة.
أضف إلى أن مؤسسة الأحوال الجوية قد أعلنت أن الطقس يوم الأحد سيكون ربيعياً جميلاً جداً وهذا ما يدخل السعادة دائماً إلى قلوب الفرنسيين. إلا أن هذا الخبر الصغير يقلق كثيراً المرشحين بشكل عام، لأنه يزيد عدد الممتنعين الذين «يخرجون في نزهات» عوضاً عن التوجه لقاعات الاقتراع الباردة. ويزداد القلق لدى المرشحين الذين يعتمدون على أصوات الناخبين غير الملتزمين.


«لوموند» تدعم ساركوزي... وتذكّر بأخطائه
باريس ــ الأخبار
من الطبيعي أن تكون نهاية الفترة الانتخابية متوتّرة على الصعد كافة. فالسباق في مرحلته النهائية، وهو الوقت الذي يجب لكل فريق مؤثر أن يحسم أمره ويتخذ موقفاً من المرشحين.
وفي هذه المرحلة يختفي الجدال السياسي وراء الضوضاء الإعلامية للحملة وتحاول مراكز القوى المعنية، من قريب أو من بعيد، بنتائج الانتخابات أن تجد مكاناً يلائم مصالحها قبل أن يزول غبار المعركة لتحفظ مركزاً كانت تحتله، أو لتفوز بمركز في حال كانت مستبعدة.
ومن الطبيعي أيضاً أن يحاول المرشحون «الضغط» على القوى المؤثرة كافة في المجتمع لقطف تأييدها، إما بالتلويح لها بمكاسب مرتبطة ببرامجها الانتخابية أو بمكافآت على دعمها لها.
ومثل كل مرة، تتأخّر الصحافة الفرنسية في إعلان موقفها من الانتخابات حفاظاً على «حياديتها» وعلى المواثيق التي تنتهجها في عملها الصحافي. ويقول البعض حفاظاً على تماسك جسمها التحريري الذي يعكس تنوعه وتوجهاته في معظم الأحيان تنوع وتوجهات الجسم الانتخابي.
ومن نافل القول أن هذا لا ينطبق على الصحافة المناصرة لحزب أو المناهضة لمرشح معين.
وقد بات من التقاليد أن ينتظر الجميع، عشية إقفال الحملة الانتخابية، للإفصاح عن «موقف الوسيلة الإعلامية» من المرشحين ودعم واحد منهم شكل علني.
وبات من التقليد أيضاً أن تكون صحيفة «لوموند» أولى الصحف التي تعلن موقفها. وفيما تكتفي الصحف الأخرى بنوع من «افتتاحية غير موقعة» تشير إلى أخذ موقف من المرشحين وتأييد أحدهم، فإن صحيفة «لوموند» خرجت بموقف بتوقيع رئيس تحريرها جان ماري كولومباني.
وكما هو متوقع، فإن موقف هذه الصحيفة العريقة يترك أثراً كبيراً في الرأي العام الفرنسي الذي ينتظره لاشتمام «توجهات الأنتليجانسيا» بشكل عام.
وبالفعل كان لافتتاحية الصحيفة المسائية التي جاءت تحت عنوان «إلزام ديموقراطي» وقع كبير في اليوم الأخير من الحملة. فقد كتب كولمباني يشيد بنيكولا ساركوزي قائلاً إنه «بحكم خبرته والمقاعد الوزارية التي احتلها وترؤسه لحزب كبير» هو أكثر المؤهلين لاحتلال منصب الرئاسة وهو «المرشح الجدير» الوحيد.
ورغم هذا المديح، فإن كاتب الافتتاحية لم يستطع أن يخفي «هفوتين» لمرشحه المفضل: الأولى، عندما قال إنه سينشئ «وزارة المهاجرين والهوية الوطنية» وعندما تكلم عن «وجود أسباب وراثية لدى المنحرفين جنسياً». لكنه حتى لا يتَّهم بالانحياز التام لساركوزي، فقد جعل من سيغولين رويال المرشحة الاشتراكية المنافس الوحيد المؤهل لمواجهة ساركوزي. وقد جاء هذا الاستدراك في «الجملة الأخيرة» من الافتتاحية المذكورة، التي قال فيها «إن رويال، على الرغم من التخبط الذي عرفته حملتها الانتخابية، فهي الوحيدة التي تحمل برنامجاً» يمكنه مواجهة برنامج ساركوزي. بالإضافة إلى أنها «تستند إلى قوة سياسية قادرة على الحكم».
وكانت أول ردة فعل عنيفة على الافتتاحية من فرنسوا بايرو، الذي تسائل عما يسمح لكاتب المقال بالحكم على المرشحين والحلول محل الناخبين. واتهم كاتبها «بالخضوع لشركاء الشركة الناشرة وممولي الصحيفة»، مشيراً إلى أنه في حال وصوله إلى الحكم سيسعى لوقف «التواطؤ بين عالم المال والصحافة».
لكن على الرغم من غضب مرشح الوسط، رأى البعض أن بايرو استفاد من هذه الافتتاحية لأنها تدعم وجهة نظره التي تقول بأن الإعلام مع المرشحين الكبيرين. كما لوحظ غياب تعليق رويال على الأمر. والواقع أنه بخلاف ما يتبادر إلى ذهن الذين اعترضوا على الافتتاحية، فهي ليست دعماً مباشراً لساركوزي من جهة وهي تصب في مصلحة رويال مباشرة من جهة أخرى.
فهذه الأخيرة تريد الوصول إلى الدورة الثانية مع ساركوزي لأنها تعرف أن في هذه الحالة «عامل الخوف من ساركوزي» سيؤدي دوراً لمصلحتها. كما أن ساركوزي لا يبدو سعيداً في افتتاحية تشدد على «أهم خطأين له» خلال حملته وتعيد التذكير بهما في «آخر يوم من الحملة»، ما يقفل الباب أمامه ليرد ويحاول استيعاب غضب المجموعات التي تستثيرها هذه الطروحات.
أما جان ماري لوبن فهو مثل العادة يرى أنه يوجد «تواطؤ بين المرشحين الكبار وعالم الصحافة والمال». وهذه الافتتاحية تشكل بالنسبة إليه برهاناً جديداً على ذلك.
لن يستطيع المرشحون العودة إلى الوراء لـ«تصحيح» الأخطاء التي لا ريب أنهم ارتكبوها خلال الحملة، لكنّ الفائزين سيتذكران من كان معهما ومن كان ضدهما بعد فوز أحدهما. من المؤكد أن افتتاحية «لوموند» كتبت بذكاء تام، إذ يمكنها أن تقول لأي مرشح يصل إنها دعمته في افتتاحيتها التقليدية التي تنهي الحملة الانتخابية.
ومن جهة أخرى، خرج الرئيس السابق ومؤسس حزب الوسط، فاليري جيسكار ديستان، الذي يرأسه حالياً فرانسوا بايرو، عن تقليد سائد في المجلس الدستوري يحظر على أعضائه إعطاء آرائهم السياسية بحكم كونهم «المحافظين على الدستور» والحكام في حال وجود اعتراضات على نتائج الانتخابات، فقد أعطى مقابلة لصحيفة «الباريزيان» يعلن فيها دعمه لساركوزي. وكانت النتيجة أن وجه أعضاء المجلس «تأنيباً» علنياً للرئيس السابق ذكروه بواجباته الدستورية.


«الأنتلجنسيا» مع رويال
يبدو أن الـ«أنتلجانسيا الباريسية» التي يظن البعض أن مقالات «لوموند» تؤثر بها قد اختارت رويال بشكل كثيف. فقد صوّت تلامذة مؤسسة العلوم السياسية الشهيرة «للتجربة» وجاءت رويال في المركز الأول وتلاها بايرو، بينما حل ساركوزي في المركز الثالث.