strong>باريس ـ بسّام الطيارة
الرغبة في التغيير هي الرابح الأكبر في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي انتهت مع إقفال صناديق الاقتراع أمس. الناخب الفرنسي أراد التغيير، وسيحصل عليه
بات من المؤكد أن رئيس جمهورية فرنسا سيكون في العقد السادس من عمره: إما ٥٣ سنة وهو عمر سيغولين رويال، أو ٥٢ سنة وهو عمر نيكولا ساركوزي. هما الرابحان، فقد حصل ساركوزي على 29.8 في المئة، بينما كان نصيب رويال 25.2 في المئة. إلا أن الاثنين يحملان رغبة معلنة في التغيير، وإن كان ذلك في اتجاهات متباينة، وهو في حدّ ذاته تغيير كبير.
رغبة ساركوزي ظهرت منذ أن بدأ يستعدّ لخوض السباق. فهو وضع هذا التغيير تحت شعار «القطيعة». قطيعة مع هيمنة جاك شيراك على حزب الأكثرية «التجمع من أجل أكثرية شعبية»، ثم قطيعة مع الأساليب الشعبيية للحزب وطريقة إدارته بعدما وضع اليد عليه ثم تخلّص من منافسيه. إلا أن القطيعة لم تتوقف على الإطار الخارجي لحملته بل هو أجرى ما يمكن تسميتهبثورة في مفهوم فلسفة «اليمين الجمهوري»، الذي أوجدته الديغولية.
يقول البعض، مشيرين إلى ساركوزي، إنه «نيوديغولي» ولكن رغم زيارته ضريح الجنرال الشهير لكسب بعض الأصوات، فهو لم يخف التغيير الذي يريد أن يقحم اليمين فيه.
شعاراته كانت صريحة، فهو يريد توحيد اليمين وابتلاع جبهة جان ماري لوبن وناخبيه، ولو أدّى ذلك إلى ابتعاد قسم كبير من الديغوليين.
إلا أن نتائج أمس تقول إن نسبة كبيرة من الفرنسيين توافقه هذا التوجه ويعكس حقيقة انزلاق فرنسا نحو يمين أشد تصلباً. رغم ذلك، فإن حصوله على نحو ٣٠ في المئة يحمل نوعاً من النجاح الشخصي. وقد صرّح مصدر مقرب جداً من المرشح اليميني، لـ«الأخبار»، بأن هذا الرقم «يحسن ظروف مفاوضة لوبن قبل الجولة الثانية» وأن ساركوزي «كان ينتظر فارقاً يزيد على ٣ نقاط حتى يستطيع مفاوضة بايرو». وبحسب هذا المصدر، فإن «ساركوزي نجح رغم أنه افتقد تصويت الناخبين من أصول عربية».
أما سيغولين رويال فهي أيضاً وضعت تحركها وترشحها تحت شعار التغيير، ومسارها شبيه نوعاً ما بمسار منافسها في الدورة الأولى: فهي فرضت ترشيحها على الحزب الاشتراكي، وإن لم تسيطر عليه بشكل كامل، وهو ما سمح لبعض «الفيلة» بوضع عراقيل في وجهها والتقاعس عن تأييدها بحماسة. ولم تلتفت رويال نحو الحزب، بل ذهبت نحو الفرنسيين مباشرة وتجاهلت آلة الحزب وشكّلت فريقاً خاصاً محدوداً من أقرب مقربيها.
والتغيير حاضر أيضاً في طروحات أول امرأة تمتلك حظاً كبيراً في دخول الإليزيه. فهي حتى وإن لم تبتعد عن الإطار العام لطروحات الحزب الاشتراكي، فإنها طعّمتها بالكثير من الجديد، وخصوصاً بعد وقوف «اليعقوبي» جان بيار شوفينمان إلى جانبها.
ومن المنتظر أن تعود سيغولين للاهتمام بالحزب وأن تسعى لعملية إعادة تركيبه على أسس جديدة، مهما تكن نتيجة الدورة الثانية، بما يشكل نوعاً من الـ«قطيعة» مع تاريخ الحزب.
التغيير أيضاً كان في اندفاع الفرنسيين للمشاركة في عملية الانتخاب: الأرقام التي صدرت عن وزارة الداخلية حول المشاركة شكّلت بدون ريب أولى مفاجآت الدورة الأولى.
فقبل أن تتجاوز الساعة الحادية عشرة تجاوزت أرقام المشاركة ٣٠ في المئة لتبلغ الساعة الخامسة ٨١ في المئة. ومنذ صدور أول الأرقام، أدرك الجميع أن هذا الاندفاع سيكون في مصلحة رويال، وبنسبة أقل مرشح اليمين جان ماري لوبن. إلا أن تحليلاً دقيقاً للأرقام، بحسب المقاطعات وانتمائها السياسي، أظهر أن رويال هي المستفيدة الوحيدة من هذا الحشد وتراجع الممتنعين إلى ١٤ في المئة، وهي أقل نسبة في تاريخ الانتخابات الحديثة.
أما المفاجأة الثانية فهي عدم وصول لوبن إلى «العتبة التي كان قد احتلها في الانتخابات السابقة» بحصوله على 11.5 في المئة. ورغم ذلك، فإن هذا يفيد أن اليمين المتطرف يملك في فرنسا «قاعدة ثابتة» لا جدال فيها تبلغ ٤٢ في المئة (مع أصوات ساركوزي)، وهو شيء جديد في الحياة السياسية الفرنسية. كما أن هذا الأمر سيطرح مسألة تغيير النظام الانتخابي وإدخال نوع من النسبية فيه، إذ لا يمكن، أياً كان الرئيس الجديد، إبقاء هذه النسبة الكبيرة من المجتمع الفرنسي خارج أي تمثيل في البرلمان.
ومن المؤكد أن الرئيس أو الرئيسة سيبادر إلى تغيير نظام الانتخاب النيابي، وبهذا يكون لوبن قد وفى بواجبه تجاه حزبه، على الرغم من تراجع أصواته لمصلحة ساركوزي، وبات يستطيع أن يقول إنه سيكون للجبهة الوطنية ما يزيد على ٣٠ نائباً في مستقبل قريب يدعمون وريثته مارين لوبن.
وفي انتظار هذا اليوم، يمكن للوبن أن ينهي عمله السياسي بمفاوضة ساركوزي على أصواته «القليلة، ولكن الضرورية»، التي من دونها من الصعب جداً لليمين أن «يحلم» بالبقاء في الحكم في ظل الأرقام التي خرجت من صناديق الاقتراع.
وتحت شعار التغيير أيضاً حاول فرانسوا بايرو، الذي لم حصل إلا على 17.9 في المئة من الأصوات، أن ينزلق في رداء الوسط وطرح شعار «الانتهاء من الأكثريتين» والتناوب على حكم فرنسا بين حزب شيراك والحزب الاشتراكي. وقد فشل في ذلك، ولكنه ضاعف عدد الأصوات التي حصل عليها في الدورة الماضية، وفرض نفسه كقوة لم يعد يمكن تجاهلها. إلا أن ذلك يطرح عليه معضلة تجيير أصوات ناخبيه. هل يقدمها إلى رويال كما بدا من محاولات انفتاحه خلال المعركة الانتخابية أم يعود إلى اليمين.
من المعروف أن الوزراء الذين ينتمون إلى حزبه «اتحاد الديموقراطية الفرنسية» قد «انتقلوا من دون رفة جفن» إلى جانب ساركوزي. كما أن معظم نواب حزبه في حاجة ماسة لأصوات حزب ساركوزي لإعادة انتخابهم.
فهل يخاطر بسحق قوته الانتخابية للوفاء بوعده الانتخابي بالانفتاح على اليسار في انتظار تطعيم النظام الانتخابي ببعض النسبية؟ بحسب مصادر قريبة منه، يرجح «أن يترك الخيار لناخبيه».
ورغم أن هذه الأسئلة صعبة الإجابة، إلا أن بايرو قد ربح واقعاً من الصعب أن يتخلى عنه. الجوابان ينتظرهما الفرنسيون في رحاب الاسبوع المقبل، والجوابان مرتبطان بالخاسرين.