باريس ــ بسّام الطيارة
المكان فندق فخم في وسط باريس. الأجواء العابقة في صالة المؤتمرات كانت تنتظر لتبيان واقع «المأزق الإيجابي لفرانسوا بايرو». من هب ودب من صحافة العالم تجمّع ليسمع من مرشّح الوسط توجيهاته لناخبيه الذين قاربوا سبعة ملايين.
لم يكن ممكناً تجاهل فرانسوا بايرو الذي فرض نفسه قوة ثالثة في المشهد السياسي الفرنسي، إلا أن الواقعية السياسية فرضت عليه الاعتراف بأنه لا يستطيع «توجيه هذه الأصوات» كما يحلو له، رغم أنه «علّب» هذا القرار بمجموعة من الحجج ولوّنها بحرية الناخب. إلا أنه لا يمكن القول بأن بايرو سيقف محايداً في المعركة المقبلة. أدرك كل الحاضرين من مطلع بيانه الذي قرأه قبل أن يجيب عن أسئلة الصحافيين بأن من الصعب على نيكولا ساركوزي أن «يحلم بالحصول على صوت مرشح الوسط» وبالتالي على أصوات كثيرين من مؤيديه.
فبعد أن شدّد بايرو على أن القوة الثالثة هي حكم المستقبل السياسي، أشار إلى «ثلاثة مسائل تعاني منها فرنسا» وهي «مرض الديموقراطية وتمزّق النسيج الاجتماعي وتراجع النمو». وقبل أن يستطرد في شرح هذه «الأمراض الثلاثة»، كان بارزاً أن «المرضين الأولين منها» مرتبطان بتوجهات المرشح اليميني نيكولا ساركوزي، بينما «ضعف البرنامج الاقتصادي» لمرشحة اليسار سيغولين رويال عاجز برأيه عن معالجة المرض الثالث.
وأشار بايرو كثيراً إلى معظم المسائل التي شكّلت نقاط ضعف المرشح اليميني، من مشاكل الضواحي، إلى الفقر وصعوبات إيجاد المسكن، مروراً بالعنصرية التي ربطها بـ«لون البشرة ووقع الأسماء الأجنبية والديانات التي تجعل الفرنسيين يتصدى بعضهم لبعض».
ولكن بايرو ذهب أبعد من ذلك؛ فقد ذكر بالاسم ساركوزي ليندد بـ«تقاربه مع أوساط المال وقوى الإعلام» قبل أن يشير إلى «ميله للتهديد وتخويف الآخرين». وقال إنه بسبب كل هذا فهو سوف «يحصر الحكم بيده بشكل لم تشهده فرنسا من قبل، وأن طباعه والمسائل التي اختار تأجيجها ستزيد من تمزق نسيج المجتمع وتقود نحو سياسات تفيد الأكثر ثراء».
لم يترك بايرو رويال الاشتراكية من دون انتقاد، إلا أن انتقاده لم يلامس الحدّة التي حملتها انتقاداته لمنافسها اليميني، لا بل بدأها بتوجيه نوع من التحية لما يحمله برنامجها من «نيات حسنة تجاه الديموقراطية». وحصر انتقاده لها بالشق الاقتصادي من برنامجها «الذي يضاعف تدخل الدولة ويترك انطباعاً بأنها قادرة على الاهتمام بكل شيء». لكن هذا لا يعني أنه يوافق على برنامج اليمين؛ فقد انتقد ما يحضر له ساركوزي من تبذير خيالي وزيادة مصاريف الدولة «لم يحلم به (رونالد) ريغان ولا (مارغريت) تاتشر».
وقد أنهى بايرو بيانه بالقول إن رويال عرضت عليه مناظرة عامة «وهو يقبل بها من دون أي مواقف مسبقة»، لأنه «مستعد لخدمة فرنسا».
وكان بايرو قد أعلن في بداية مؤتمره نيته تأسيس حزب جديد تحت اسم «الحزب الديموقراطي»، وهو الاسم الذي يحمله حزب رئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي، «حليفه الأوروبي» الذي طالبه علناً بتأييد سيغولين رويال.
والجدير بالذكر أن بايرو كان قد أيّد برودي عشية الانتخابات الإيطالية، بينما ساركوزي كان قد أعطى تأييده لسيلفيو برلوسكوني اليميني.
وحين سئل إذا كان انتقاده لتحالف المال والإعلام لدى ساركوزي يعني أن «ساركوزي مشابه لبرلوسكوني»، لم يتردد بالإجابة بـ«نعم».
وهكذا، يمكن القول إن بايرو، حتى وإن لم يعلن تأييده لسيغولين ولم يدع للتصويت لها، فهو وجّه مجموعة إشارات إيجابية نحوها، ساعياً لتأسيس ما لم يتردد بتسميتها «ديموقراطية اشتراكية» وعلى نطاق يتجاوز فرنسا ليشمل أحزاب الوسط الأوروبية.
وأفادت مصادر مقربة من رويال بأنها اقترحت على بايرو مباشرة بعد انتهاء مؤتمره اللقاء غداً الجمعة.