إيلي شلهوب
عزلة البيت الأبيض وسيده بلغت مستويات غير مسبوقة، في الداخل والخارج. محاولات إصلاح ما تسبب به «غباء» بوش و«عناده» تبدو جدية. ملامحها الشرق أوسطية بدأت تتضح، وإن كانت مفاعيلها تبدو سجالية.
دموية المستنقع العراقي تفرض بقاءه في صدارة الأولويات. الخطة الأمنية المتواصلة في بغداد منذ أكثر من شهرين ونصف الشهر تستهدف، على ما يبدو، توفير المزيد من الوقت للقادة العراقيين من أجل التوصل إلى تسوية سياسية تعيد الوحدة إلى الائتلاف الحكومي المهدد بالانهيار وإقناع حركات المقاومة، السنّية خصوصاً، بالانضمام إلى العملية السياسية.
مؤتمر شرم الشيخ المقرر في الثالث من أيار المقبل يبدو حاسماً في هذا الاتجاه. لقاء تسعى إدارة بوش إلى استغلاله من أجل التوقيع على ميثاق عهد دولي جديد حول العراق، يتضمن قرارين: يطمح الأول إلى إلغاء الديون المترتبة على العراق بنسبة مئة في المئة (توجّه تعارضه الكويت وروسيا والصين وإيران على وجه الخصوص). أما الثاني فيفرض على حكومة نوري المالكي التزاماً بإجراءات معينة تستهدف إعادة الاستقرار إلى بلاد الرافدين، بينها المصالحة السياسية وتعديل الدستور وحلّ الميليشيات وتخفيف حدة الحظر المفروض على البعثيين وإمرار قانون النفط (مصر والكويت تطرحان صيغاً مختلفة).
الملف الإيراني يبقى الثاني على جدول الاهتمامات. إشارات متعددة صدرت خلال الأيام الماضية توحي بليونة أميركية: كوندي رايس تنصح نظيرها منوشهر متكي بعدم إضاعة «فرصة» اللقاء في شرم الشيخ. علي لاريجاني يتحدث عن اتجاه نحو «نظرة موحدة» مع خافيير سولانا. أنباء عن قبول غربي بالإبقاء على جزء من برامج التخصيب الإيرانية. صحيح أن واشنطن سارعت إلى نفيها، لكن صدورها في هذا السياق يؤكد وجود نوايا من نوع
كهذا.
أما بالنسبة للملف الفلسطيني فالأمور تبدو أكثر تعقيداً. الدفع الأميركي نحو تسوية اصطدم بممانعة وتعنّت إسرائيليين، أسقطا الهدنة وكادا يدفعان بالوضع إلى حافة انتفاضة جديدة. لكنهما لم يمنعا إيهود أولمرت من مباشرة لقاءاته الدورية مع محمود عباس، ولا من العمل على تعزيز قوة الرئيس الفلسطيني. في المقابل، أثمرت جهود واشنطن اختراقاً عربياً تمثّل بإعلان الاستعداد للتطبيع، بشروط ليس بينها استعادة الأرض ولا إعادة اللاجئين. تعنّت واختراق يبدو أنهما يستهدفان تطويق «حماس» (ومن لف لفيفها من فصائل المقاومة) من أجل تطويعها أو إدخالها في حرب داخلية، شهدت الساحة الفلسطينية بعضاً من فصولها خلال الأسابيع الماضية.
يبقى الملف السوري ـــ اللبناني. موقعه في الأولويات الأميركية لا نزاع عليه. كلام زلماي خليل زاد لدى تسلمه منصبه في الأمم المتحدة خير دليل. إعراب رايس أخيراً عن استعدادها للاجتماع بالمسؤولين السوريين يبدو مؤشراً، وخاصة في ضوء حملة الإدارة ضد نانسي بيلوسي وزيارتها لدمشق.
إعلان بان كي مون عن عدم استعجال إقرار المحكمة الدولية في مجلس الأمن قد يكون ذا صلة. تأكيد نيكولا ميشال قبله وجود «معوقات جدية» في المنظمة الدولية في شأن إقرار كهذا، قد يوضح كلام الأمين العام.
كلها معطيات تشير إلى اتجاه أميركي تهدوي يبعد شبح الحرب المنتظرة على إيران. توجّه ربما يربطه البعض بالجلطة التي ألمّت بديك تشيني أخيراً. وإذا صدق ذلك، فلا شك أن القائلين به محبطون الآن: لقد شفي من وعكته.