القاهرة ـــ الأخبار
الجرائم الإسرائيلية خلال حروبها العربية منذ عام 1948، وصولاً إلى عدوان تموز الأخير على لبنان، موثقة بالكلمة والصوت والصورة، إلا أن الحصانة الدولية والتخاذل العربي يمنعان ملاحقة سلطات الاحتلال. حتى ان أزمة شريط وحدة شاكيد والاعترافات الإسرائيلية لن تلبث أن تخمد، وتعود الأمور إلى سابق عهدها... تطبيعياً

يبدو أن «روح شاكيد» لن يكون فقط عنوان فيلم وثائقي، بل سيصبح رمز حملة اكتشاف جرائم الحرب الإسرائيلية ضد الجيش المصري في حزيران 1967. ورغم أن الجرائم موثّقة منذ سنوات في وزارة الخارجية المصرية والاستخبارات العسكرية، إلا أن هناك إرادة سياسية وراء «مؤامرة النسيان»، التي أفسدها اعتراف قادة الجريمة أنفسهم.
من أين أتت إرادة النسيان؟
يقول مصدر مصري، رفض ذكر اسمه، إن «الجرائم معروفة منذ فترة، وموثّقة من شهادات الجنود والأسرى العائدين، ومن المقابر الجماعية التي اكتشفت بعد عودة سيناء إلى الإدارة المصرية. وتم توثيق هذه الجرائم كاملة في ملفات الخارجية والمخابرات، إلا أن توقيع مصر على معاهدة كامب ديفيد قيّد حركتها، فالاتفاقية تنص على حظر الملاحقة القضائية المتبادلة».
هذه الإرادة منعت الحملات السابقة، التي أقامتها منظمات حقوق الإنسان وبعض الأحزاب، التي أرادت إما تحريك الدعوى جنائياً بما أنها تمت على أرض مصرية، أو الذهاب بملفها كله إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وهناك محاولة بالفعل تمت على يد الدكتور شريف البسيوني، أستاذ القانون الدولي في جامعة ديبول في شيكاغو، عندما اكتشف واقعة القتل الجماعي للأسرى المصريين، الذين وقعوا فى يد وحدة إسرائيلية اضطرّ قائدها الى التخلّص من 65 أسيراً مصرياً لأن قيادته طالبته بالعودة بسرعة، فقتلهم ودفنهم في مقابر جماعية اكتشفت مطلع التسعينيات.
يشار إلى أن نيابة استئناف القاهرة قد حققت فى شهر آذار عام 2002 في بلاغ للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان بشأن أعمال القتل التي مارسها الضباط الإسرائيليون بحق الضباط والجنود المصريين على الأرض المصرية في سيناء أثناء حربي 1956 و1967.
وكانت المنظمة قد ضمّنت في بلاغها للنائب العام قائمة بأسماء ثمانية ضباط إسرائيليين، في مقدمهم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون، الذي كان يشغل منصب قائد اللواء التاسع للقوات الإسرائيلية فى سيناء في حزيران 1967. كما أرفقت المنظمة، في بلاغها، مذكرة تفصيلية تضمنت شهادات واعترافات الضباط الإسرائيليين وكذلك قائمة بأدلة الاتهام ومواد الاتهام وفقاً للقانون المصري.
وسعى الأمين العام المساعد لاتحاد المحامين الأفرو ـــ آسيوي، محمود سعيد لطفي، قبل عامين، من دون جدوى، إلى محاكمة شارون، وطالب بتعويض مالي قدره 70 مليار جنيه إسترليني تودع لحساب ضحايا الحروب المصرية ـــ الإسرائيلية من عام 1948 حتى عام 1973 من أسرى وشهداء يتم تحديدهم بواسطة وزارة الدفاع المصرية.
وطبقاً لتقارير حقوقية، فإن وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق موشي ديان أجرى مسابقات لقتل الأسرى المصريين. وبدأت القضية باعترافات قائد «الكتيبة 890 مظلات» أرييه بيرو بأنه قتل الأسرى المصريين، الذين تمكّن من الوصول إليهم في عام 1956، عندما كان قائداً لكتيبة إسرائيلية، حيث قام بإعدام عمال مدنيين مصريين في أحد المحاجر، وكان عددهم 49 رجلاً.
كما اعترف العقيد داني وولف بمسؤوليته عن قتل العمال المصريين. وقال «إنه كان من الممكن إبقاؤهم مع قليل من الماء والطعام. والماء لا يكفي، وأنا لا أحاول البحث عن مبررات ولكنها الحقيقة. فقد وقفنا على التلال وبدأت المذبحة وبدأنا نحصدهم، وكان مشهداً سيئاً. فبعضهم تجمّد في مكانه وبعضهم سقط على الأرض».
وتابع وولف اعترافه «وفي مرحلة معيّنة، أدركنا أنه لن تكون هناك نهاية لأسر المصريين وسنتعطل بسببهم، فتوقفنا عن الإحصاء وبدأنا في الحصد. كان أمراً وحشياً، كنا نطلق الرصاص على من يتحرك وقام نائب الكتيبة مراسيل طوبياس برصّهم وكأنهم في عرض مسرحي ونزع أسلحتهم ثم أطلقنا عليهم الرصاص، ثم نزعنا منهم ساعات اليد والخواتم وحافظات النقود، كان هذا المشهد يتكرر كل كيلومتر».
والمعروف أن إسرائيل قامت بجرائم حرب متنوعة ضد الجنود المصريين الهاربين من أرض المعركة أو المنسحبين من دون أسلحة. بينها تعذيب وإذلال الأسرى وقتلهم وإبادتهم الجماعية وحتى دفنهم أحياء.
وفي شهادة لجندي مصري، أُسر مع 50 آخرين في منطقة في جوار قلعة العريش، قال «أثناء تجميعنا فى مطار العريش يوم 8 حزيران 1967 أمرونا بالنوم داخل حظائر الطائرات بعضنا فوق بعض، وفي الصباح توفي 70 أسيراً من الاختناق وتم دفنهم في حفر داخل المطار».
وروى جندي آخر في سلاح المشاة المذبحة التي قامت خلالها الدبابات الإسرائيلية بمطاردة نحو 150 من الأسرى المصريين ودهسهم بلا رحمة. قال «بمجرد استسلامهم قامت الدبابات الإسرائيلية بمطاردتهم ودهسهم مثل العصافير».
والجندي، الذي يحمل الرقم العسكري 46295، قال «أثناء وجودنا في معسكر عتليت، روى لي أحد الجنود المصريين أن أرييل شارون داس بالدبابات على بعض الجنود فقتلوا جميعاً».
وقال أسير آخر «أثناء وجودنا في معسكر بئر السبع، شاهدتهم يقومون بدفن مصابين من الجنود الأسرى وهم أحياء، بعدما يأمرونهم بحفر قبورهم ثم يردمون التراب عليهم».
هذه بعض من شهادات جمعتها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، لكنها لم تستطع تحريك الدعوى ضد جرائم إسرائيل في حزيران 1967، التي عطّلت الأجهزة الرسمية أكثر من مرة تحريكها.
والسؤال الآن: هل ستكمل الأجهزة الرسمية في مصر المعركة ضد جرائم الحرب الإسرائيلية فى حزيران 1967؟ وهل ستحوّلها الى جريمة تلاحق الإسرائيليين كما تلاحق المحرقة النازية الألمان وأوروبا؟ أم ستعود إرادة النسيان بعد هدوء عاصفة الغضب؟
ناشط حقوق إنسان علّق قائلاً «لا بد أن يتحرك المجتمع المدني في مصر ولا ينتظر الدولة. ولا الحكومة. بل يجبرهما على الكشف عن الوثائق.. لتحريك الدعوى ضد مجرمي الحرب. ونحن على استعداد لأن نستصدر مذكرة توقيف بحق (بنيامين) بن اليعزر من المحكمة الدولية... ولكن».
وتوقّف كلام الناشط، لكنه لم يكن من الصعب إدراك أنه يخاف هذه المرة من مؤامرة مشتركة للصمت على جرائم الحرب الإسرائيلية في حزيران. فهل تنجح المؤامرة رغم قنبلة «روح شاكيد»؟



قطع غيار بشرية
لعل أخطر الاعترافات تلك التي تتعلق بتجارة الأعضاء، حيث شكّل الأسرى المصريون مستودعاً هائلاً لقطع الغيار البشرية، وكان السماسرة يجنون أرباحاً خيالية من بيع الأعضاء في أوروبا وإسرائيل. كما كان طلبة الطب هناك يتدربون على العمليات الجراحية على هؤلاء الأسرى.
وقد اعترف أحد التجار، وهو إسرائيلي يعيش في باريس، «لقد رأيت بعيني عشرات من الأسرى وقد شقّت بطونهم أمامي بأيدي طلبة الطب الصغار، واقشعرّ بدني لهذه الطريقة البشعة».




معايير مزدوجة بعد «كامب ديفيد»
ما نص عليه اتفاق «كامب ديفيد» لجهة منع الملاحقات القضائية بين الجانبين، لم يمنع مصر من صرف تعويضات لأسر سبعة سياح إسرائيليين قتلهم الجندي سليمان خاطر في تشرين الثاني 1985 عقب «إهانتهم للعلم المصري»، بحسب اعتراف خاطر، الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة، وقيل إنه قد «انتحر» في زنزانته «عندما شنق نفسه».
إلا أن التعامل الإسرائيلي لم يكن بالمثل مع القتلى والمصابين المصريين الكثر الذي سقطوا بعد اتفاقية كامب ديفيد. ففي 15 نيسان 2001، أصيبت سيدة مصرية من قبيلة البراهمة بطلق ناري إسرائيلي أثناء وجودها في فناء منزلها على الحدود مع غزة. كما قتل ميلاد محمد حميدة عندما حاول الوصول إلى غزة عبر بوابة صلاح الدين.
وفي أيار 2001، أصيب المجند أحمد عيسى بطلق ناري في أثناء وجوده في منطقة خدمته على الحدود.
وفي حزيران 2001 قتل المجند الغريب محمد أحمد بأعيرة نارية في المنطقة الفاصلة بين مصر وفلسطين المحتلة، إلا أن هذه الأحداث لم تثر مطالبات الحكومة المصرية بالتعويض أو الاعتذار.