strong>حيفا ــ فراس خطيب
التعذيب والتجسّس الداخلي والإقالة السياسية، كلها عمليات جرت وتجري داخل إسرائيل، تحت مسمّى «حماية» الدولة وديفيد بن غوريون،الذي يعترف أحد قادة «الشاباك» بأن هذا الجهاز أنشئ لضمان بقاء حكومته

نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، في ملحقها الأسبوعي أمس، مقابلة مع المحامي ارييه هدار (79 عاماً)، الذي يطلق عليه اسم «فاشوش»، وشغل منصب مدير قسم التحقيقات في جهاز الأمن الإسرائيلي العام «شاباك» في عقد الخمسينيات من القرن الماضي وأنهى مهامه في عام 1980.
وكشف هدار عن الأساليب التي اتبعها «الشاباك» في التجسّس على العاملين في المكاتب الحكومية وملاحقة اليساريين والعمل على إغلاق صحف أبدت رأياً مخالفاً للسلطة، وإقالة موظفين يقرأون صحفاً تابعة للشيوعيين أو أي مناهض لحكومة «مباي»، التي ترأسها دافيد بن غوريون.
وكشف «فاشوش»، الذي عمل في المركز الرقم 5 في «الشاباك» الإسرائيلي وتعامل مع القضايا «السياسية الداخلية الإسرائيلية»، عن كيفية عمل جهاز الشباك للحفاظ على حكومة «مباي». وكيف أمرت غولدا مئير بإغلاق ملفات تحقيق قبل الانتخابات. وعن كيفية كم أفواه كل من عارض قيام المفاعل النووي الإسرائيلي.
وعن آلية التجسس التابعة لـ«الشاباك» داخل المكاتب الحكومة، أشار «فاشوش» إلى أنّ «الشاباك امتلك في ذلك الحين عملاء تابعين له، إذا كان أحد العاملين يشاهد أو حتى يقرأ صحيفة حيروت أو صحيفة كول هعام (صوت الشعب) التابعة للشيوعيين، كانوا يبلغوننا مباشرةً، ويعمل الشاباك على إقالته فوراً أو العمل على ألا يمدّد عقد العمل لفترة إضافية».
وأشار هدار إلى أنَّ هذه الحملات استمرت طوال خمسين سنة، وكانت السلطة تطلب من «الشاباك» العمل ضمن الانتخابات، والقيام بحملات ضد الأحزاب الإسرائيلية المنافسة لـ«مباي». وكانوا يجمعون معلومات ضد المنافسين وتخويفهم وابتزازهم في ما بعد.
ولم يقتصر «التجسس» على المستوى المدني فقط، بل انتشر أيضاً على المستوى العسكري. وتحدث «فاشوش» عن حملات داخل الجيش الإسرائيلي، كاشفاً عن ممارسات غير ديموقراطية مارسها «الشاباك» في هذه المؤسسة. وقال: «كان الجنود الإسرائيليون يصوتون للانتخابات من خلال مُغَلَّفَين. كانت هذه المغلفات تصل إلى مبنى الهستدروت أولاً قبل وصولها للفرز. كنا نفتح المغلفات بمساعدة البخار، نخرج أوراق التصويت منها، ونسجل اسم الجندي والحزب الذي انتخبه. هكذا كنَّا نعرف من هو الشيوعي ومن هو «حيروتي». من بعدها نغلق المغلفات ونبعث بها للفرز».
واستمر «الشاباك» في ملاحقة الأحزاب الصهيونية المنافسة لـ«مباي». و«طالت الملاحقة أيضاً رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مناحيم بيغن (حيروت) قبل انتخابه. وموشيه سنيه المنافسين لمباي».
ووصف فاشوش محرر صحيفة «هعولام هزي» (هذا العالم) الصحافي أوري افنيري في حينه، ورئيس حركة «السلام الآن» حالياً، بأنه من أكبر «أعداء مباي». وقال: «كان ايسور هارئيل (المسؤول عن عمل الشباك والموساد) متأكداً من أنَّ أوري أفنيري سيهدم الدولة».
وأضاف أنه تم تجنيد عامل في المطبعة التي تطبع فيها الصحيفة، وكان يسلم الصحيفة لايسور قبل يوم من صدورها، وايسور يسلمها إلى دافيد بن غوريون مباشرة (رئيس الوزراء في حينه). وكشف عن أنّ الشاباك أصدر في حينه «صحيفة منافسة» لصحيفة افنيري، اسمها «ريمون»، كأنها بملكية خاصة لأحد رجال الأعمال «لتحطيم صحيفة افنيري».
في عام 1959، أقام مدير «قسم 5» في الشاباك الإسرائيلي بنيامين بلومبيرغ، بحسب «فاشوش»، جسماً أمنياً لوزارة الأمن تابعاً لشمعون بيريز (الذي شغل حينها منصب المدير العام لوزارة الأمن). عمل هذا الجسم على «الحفاظ على أسرار المفاعل النووي الذي تبنيه إسرائيل في ديمونا».
ويقول فاشوش إن بولمبيرغ استدعاه وقال له: «فاشوش، علينا مساعدة بيريز»، موضحاً له أن «بروفيسور يشعياهو ليفوفيتش ينظم حلقات بيتية يهاجم من خلالها مشروع ديمونا. يجب تهدئته»، طالباً منه «إيجاد حل قانوني». كان الحل كالتالي: استدعى فاشوش مشاركين في الحلقات البيتية وحقّق معهم في ما يقال هناك، وتبين في حينه أن ليفوفيتش يتحدث عن ديمونا فعلاً. وعندها وجد فاشوش الحل وأتى به إلى قائده. كتب تقريراً بعدها أشار فيه إلى أنَّ «هناك فرقاً بين التعبير عن الرأي وتزويد معلومات عمّا يجري في ديمونا».
وصل الملف إلى شمعون بيريز الذي استدعى ليفوفيتش إلى مكتبه وعرض عليه ما كتب في الملف، وقال له: «إذا لم تتوقف عن الحلقات البيتية، فسنأمر بفتح تحقيق ضدك واتهامك بالتجسس»، فتوقف ليفوفيتش عن الحلقات.
وشارك فاشوش، بحسب الصحيفة، في القبض على يهودي يمني في عام 1963 عمل لمصلحة السوريين. وقال «فاشوش»: «أراد بن غوريون تعيين أول قائد هيئة أركان يمني وأنا أتيت له بأول جاسوس يمني. حققت معه. كان المحققون يستعلون عليّ أمامه عمداً. كانوا يرسلونني إلى كل مكان. أمام عينيه. وفي لحظة ما اجتمعنا معاً في لحظة المظلومين. واعترف لي بكل شيء. وفقط عند المحكمة اكتشف أن المحقق الصغير هو المسؤول الكبير».
ويكشف «فاشوش» عن تحقيق لم يخرج إلى النور عن سفير إسرائيلي في إحدى الدول «المهمة». ووصلت شكاوى تقول إنَّ السفير استغل المصالح التجارية في تلك الدولة وتحوّل إلى أحد أغنياء إسرائيل بطريقة «غير مفهومة».
كذلك، يكشف «فاشوش» أن «الشاباك» استعمل أساليب تعذيب ضد المتهمين. ويستعرض التعاون بين الموساد والشاباك وتجنيد عميل عربي استطاع من خلال الدخول إلى خلية تابعة لمنظمة التحرير وتصفية محمد بودية، الذي يدعي الشاباك أنه «قام بعمليات إرهابية في عام 1971».
ويكشف أيضاً عن تعاون بين «الشاباك» و«الموساد» في عام 1976، عندما اعتقلت مجموعة مكونة من شابين ألمانيين وشابين فلسطينيين، اعتقلوا في نيروبي على يد الموساد، «لحظة قبل إطلاقهم صاروخاً على طائرة العال الآتية من جنوب أفريقيا». ويضيف: «نقلناهم إلى غرفة التحقيق رقم 504. وضعناهم في غرفة مظلمة ذات إضاءة خفيفة وبدأنا نخيفهم بالجنون والأرواح. كنا نصرخ ونحن نرتدي الأقنعة، كأنهم ماتوا وصعدوا إلى السماء. كان هذا كافياً من أجل أن ينكسروا».