strong>حسام كنفاني
جدول أعمال حافل أمام القادة العرب اليوم. حافل ببنود منها ما هو معلن، ومنها ما هو قيد المناقشات السرية واللقاءات الجانبية. إلا أنه يمكن اختصارها بالمبادرة العربية والفتنة السنية ــــ الشيعية، مع ما يحمله هذان البندان من أزمات مشتعلة في المنطقة

تشخص الأنظار اليوم إلى الرياض، حيث يلتئم القادة العرب في قمتهم التاسعة عشرة، لبحث مجموعة من الملفات الشائكة، المحسومة قراراتها مسبقاً، بعد الاتفاق على أكثر من قضية، ورفع ما بقي لاجتماع القادة والزعماء للبت فيها.
والمعروف أن مبادرة بيروت العربية تمثّل أساس الاجتماع الجديد، وعودة الرياض عن اعتذارها استضافة القمة، يمكن تفسيره من المغزى السياسي الذي تريده السعودية من إعادة إطلاق المبادرة عبر أراضيها، ولا سيما أن الملك عبد الله هو صاحب الفكرة، عندما كان ولياً للعهد عام 2002.
لكن قبل الدخول في المواقف المتباينة أحياناً والمتناسقة أحياناً أخرى من الملفات المعروضة، لا بد من نظرة سريعة إلى العالم العربي بشكل عام، وتمييز دول الريادة والممانعة، إضافة إلى الدول الهامشية والمقاطعة.
بداية تمثّل الرياض أساس ما سمي محور الاعتدال العربي، الذي انطلقت منه “الرباعية العربية”، التي إن كانت تضم السعودية ومصر والأردن والإمارات، إلا أنها تضم أيضاً دول الخليج واليمن، التي لا تملك الابتعاد كثيراً عن الفلك السعودي، باستثناء دولة قطر، التي تحرص على استقلالية قرارها، إلا أنها لا تبتعد عن المناخ العام للاعتدال العربي.
إلى هذه الدول “المعتدلة”، يمكن إدراج السلطة الفلسطينية بجناحيها، بعد المواقف البراغماتية المفاجئة نسبياً لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وكان آخرها دعم رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل لـ“الإجماع العربي”، في إشارة مباشرة إلى المبادرة العربية، التي كانت “حماس” إلى الأمس القريب ترفضها، باعتبار أنها تتضمن اعترافاً غير مباشر بإسرائيل والتطبيع معها.
مغاربياً، لا تبدو المواقف العربية بعيدة كثيراً عن إجماع المعتدلين، باستثناء الموقف الليبي الفريد دائماً، الذي سيغيب كلياً عن قمة الرياض، فيما لا تبدو الجزائر متعارضة مع توجه الاعتدال العربي، رغم دفاعها الدائم عن المقاومة، سواء في لبنان أو في فلسطين، ودعمها للحقوق العربية، الأمر الذي من غير المرجح أن يخلق تناقضاً داخل أروقة قاعة اجتماع القمة في الرياض.
ومع غرق لبنان والعراق والسودان والصومال في المشاكل الداخلية، والحالة الانتقالية التي تعيشها موريتانيا، تبدو سوريا وحيدة في مواجهة الاعتدال، الأمر الذي قد يثير بعض التعارض في الرؤى في ملفات مطروحة، في مقدمتها الأزمة اللبنانية والملف النووي الإيراني.
حتى في ما يتعلق بالمبادرة العربية، لا تبدو دمشق في موقف المعارض، وهي التي أيدتها منذ البداية في بيروت، بما أنها تنص على الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967، وهو مطلب أعلنته سوريا أكثر من مرة على لسان رئيسها بشار الأسد. إلا أن بعض التفاصيل “التطبيعية” قد تكون مثار جدل واعتراض.
أمام هذه التقسيمة العربية، يمكن استعراض الملفات المطروحة على القمة ومواقف الكتل المتآلفة منها. ولا بد من البدء بملف المصالحة العربية، غير المدرج على جدول الأعمال، لكنه أساس في التعامل مع مشروع قرارات القادة العرب.
المصالحة العربية
الخلافات العربية ــــ العربية ملف خطير مطروح من خارج جدول أعمال القمة، ولا سيما العلاقة بين سوريا والسعودية ومصر والأردن بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان، وخطاب الأسد من أصحاب نظرية “المغامرة”.
ورغم المحاولات المتلاحقة والوساطات لتجسير فجوة الخلاف، إلا أن أي اختراق لم يحدث على صعيد العلاقات السعودية ـــ السورية خصوصاً. ولم ينجح “الوسيط المصري” في جمع الأسد والملك عبد الله قبل قمة الرياض.
وإن كانت زيارة نائب رئيس السوري فاروق الشرع إلى القاهرة منتصف الشهر الجاري قد ساهمت في إضفاء بعض الانفراجات على أزمة العلاقات، إلا أن اختراقات حقيقية لم تحدث في جدار الأزمة، ولاسيما أنها مرتبطة بملفات لبنان والعراق وإيران المطروحة أمام القمة.
ولعل مشاركة الرئيس السوري في القمة وزيارته إلى الرياض، ستمثّل حدثاً بحد ذاته، تمهيداً لفتح ملف المصالحة العربية على مصراعية، كبداية للوصول إلى إجماع عربي على الملفات المطروحة أمام القمة.
أما المصالحة السورية ــــ اللبنانية، فهي مرتبطة بالدرجة الأولى بالمصالحة السورية ـــ السعودية، ومدى تحقيقها في لقاءات واتصالات، تعيد إلى العلاقة بين البلدين زخم التنسيق السياسي.
بعد المصالحة، يمكن اختصار جدول أعمال القمة في عنوانين بارزين، يختصران غالبية الملفات الساخنة، هما: المبادرة العربية والفتنة السنية ـــ الشيعية.
المبادرة العربية
يمثّل تفعيل مبادرة السلام العربية محور قمة القادة العرب في الرياض، لكن من دون التعديلات التي تطالب بها إسرائيل والولايات المتحدة. وتختصر المبادرة ما يمكن أن يصدر عن القمة من مواقف في شأن القضية الفلسطينية، ولا سيما بالنسبة إلى رفع الحصار.
الإجماع على إعادة إصدار المبادرة وتفعيلها خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب أول من أمس في الرياض، لا ينبئ بخلاف مرتقب خلال اجتماع القمة، لكن آليات التفعيل قد تحمل عناصر خلاف في المستقبل، ولا سيما مع ما تحمله المبادرة نفسها من بنود تحتمل تأويلات، إضافة إلى المواقف العربية والفلسطينية المنفتحة على التفاوض على بنودها.
وجولة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في الشرق الأوسط صبت في هذا الشأن، وقد حظيت ببعض الليونة العربية عبّر عنها وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط والرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلا أنها لم تصل صراحة إلى التعديل المباشر للمبادرة، بل إلى تأليف لجنة لتسويقها في المجتمع الدولي ومجلس الأمن.
وتردّد أن الصفقة ستتم عبر لجنة التسويق، التي ستطرح المبادرة على مجلس الأمن، الذي سيقوم هو بإضفاء بعض التعديلات عليها، تؤمّن “الأفق السياسي” لإسرائيل، بحسب “الأسلوب الجديد” الأميركي، الذي من المتوقع أن يشمل في مقدّمته حق العودة، وبذلك يعفي العرب، أو “المعتدلون” منهم، أنفسهم من الخضوع للإملاءات الغربية.
هذا التوجه، يدعمه ما أعلنه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أول من أمس، من أن لجنة التسويق ستسعى إلى تسجيل المبادرة العربية في الأمم المتحدة، لتكون أساساً لحل الصراع.
وعين التعديل تصب في الأساس على بند حق عودة اللاجئين، الذي يراه الإسرائيليون عقبة أمام قبول المبادرة، وهو ما دعمته وزيرة الخارجية الأميركية، رغم أن البند الوارد في المبادرة مفتوح على مرونة وتأويلات كبيرة، إذ ينص على: “التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194”.
ومن الواضح أن النص لم يأت على عبارة “حق العودة” صراحة، إضافة إلى أنه تضمّن “اتفاقاً” وفق القرار 194، الذي لم ينص أيضاً على العودة كحل وحيد لقضية اللاجئين، فجاء فيه: “السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم».
المرونة في نص القرار والمبادرة العربية، إضافة إلى مواقف الاعتدال العربية، ترجح حالة صدام بعد القمة، وسخاء أميركي ـــ أوروبي لحل “بؤس اللاجئين”.
الفتنة السنية ــ الشيعية
تحت هذا البند يمكن إدارج الأوضاع في العراق ولبنان، إضافة إلى العلاقات مع سوريا، والمحاولات للحد مما يسمى “تغلغل النفوذ الإيراني في المنطقة”، مثار ذعر السعودية، ولا سيما في العراق، الذي يملك حدوداً مشتركة مع المملكة، وخاصة أن الشيعة موجودون بكثافة في المنطقة الشرقية السعودية، حيث معظم آبار ومصافي النفط.
ولهذا الغرض ستركز قمة الرياض على الوضع في العراق في محاولة لإشراك السنة في العملية السياسية بشكل أكبر، وفي هذا الإطار، جاءت دعوة وزراء الخارجية العرب إلى تعديل الدستور العراقي، وخصوصاً في ما يتعلق بالفدرالية.
وتدعم الدول العربية، بقيادة السعودية، موقف العراقيين السنة، الذين يعارضون العراق الفدرالي، ما من شأنه ان يحصرهم في غرب البلاد ووسطها، في منطقة محرومة مصادر النفط.
والوضع في لبنان مَثَلٌ جديد على قلق الرياض من “النفوذ الإيراني”، وهنا يدخل الخلاف مع سوريا، الذي يتوقع أن يكون تخطيه أساسياً في حل الأزمة اللبنانية، ولا سيما أن المحاولات السعودية والتقارب مع إيران، الذي أثمر لقاءً بين الملك عبد الله والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في الثالث من آذار الجاري، لم يساهما في الوصول إلى تسوية الأزمة، التي تتأرجح بين التصعيد والهدوء، وفق التطورات الإقليمية، والدولية.
ويسعى العرب عموماً إلى إبعاد دمشق قدر الإمكان عن طهران، تحسباً لأي مواجهة بين إيران والغرب، فيما تريد سوريا إقناع العرب باستثمار القوة الإيرانية لتعزيز مواقفهم في قضايا الصراع الإقليمي، “وعدم تحويل إيران إلى عدو”، بحسب المحلل السياسي السوري عماد فوزي شعيبي.
والبرنامج النووي الايراني وتأثيره على الدول العربية المجاورة لإيران سيكون أيضاً على جدول اعمال القمة، التي من المفترض أن يحضر وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي جلستها الافتتاحية اليوم. إلا أنه من غير المتوقع أن تتم الإشارة إلى القضية بالاسم، بل عبر مشروع أشمل “لإخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل”، في إشارة إلى إسرائيل وإيران.
وفي إطار الإجراءات العربية، يبدو أن القرار الخليجي الذي اتخذ في قمة أبو ظبي لمجلس التعاون، سيعمم عربياً لاستخدام “الطاقة النووية لأغراض سلمية”.