تواصلت التكهنات حول تنفيذ حكم الإعدام بحق صدام حتى الساعة الصفر. ولعل غرابة الموقف عبَّدت طريق التكهنات في كل اتجاه، حتى لترافق صدام المقتاد من السجن إلى مسرح تنفيذ الحكم مع إطلال فجر بغداد على عيد الأضحى، قبل أن يقطع الشك باليقين على شاشة قناة «الحرة» الأميركية التي بثت النبأ بأن الأمر قد قضي. فبعد طول أخذ ورد حول الحكم وحيثياته، ثم حول توقيت تنفيذه، أعدم صدام شنقاً فجر أول أيام عيد الأضحى، الذي صادف السبت الماضي، اثر إدانته بقتل 148 قروياً شيعياً في بلدة الدجيل في الثمانينيات من القرن الماضي، وحكم بالإعدام شنقاً في الخامس من تشرين الثاني الماضي.
وروى مستشار الاأمن القومي العراقي موفق الربيعي، الذي حضر الاعدام، العملية قائلاً إن صدام (69 عاماً) «صعد بهدوء الى المنصة وكان قوياً وشجاعاً». وأضاف انه «لم يحاول المقاومة ولم يطلب شيئاً. وكان يحمل مصحفاً بيده طلب إرساله الى شخص». وتابع ان «يديه كانتا موثقتين عندما شنق».
وذكر الربيعي أن العملية «تمت بحضور قضاة ومدّعين عامين وطبيب وشهود (وزراء ونواب)» في مقر دائرة الاستخبارات العسكرية في منطقة الكاظمية شمال بغداد.
وتحدث الربيعي عن «بعض المشادات الكلامية قبل صعوده الى المشنقة لرفضه وضع كيس أسود على رأسه». ووصف صدام في تلك اللحظة بأنه «كان ضعيفاً جداً بشكل لا يصور».
وقال الربيعي «في إحدى اللحظات، أدار رأسه نحوي كما لو أنه يقول لي: لا تخف، انتابني شعور غريب»، مشدداً على أن «العملية كانت عراقية مئة في المئة. لم يكن هناك أي أميركي».
وأوضح منير حداد، القاضي في محكمة التمييز في المحكمة الجنائية العليا، أن «العملية بدأت حوالى السادسة وعشر دقائق. تلوت عليه حكم الاعدام. وخلال هذا الوقت كان صدام يقول: الله أكبر، نحن في الجنة وأعداؤنا في النار، عاش المجاهدون، عاشت الأمة». وأضاف ان صدام «لم يبد أي مقاومة. كان يحمل نسخة من المصحف في يده وأعرب عن رغبته في تسليمها الى بندر» ابن عواد البندر، الرئيس السابق لمحكمة الثورة المحكوم كذلك بالإعدام.
وأشار حداد الى أن صدام «رفض وضع كيس على رأسه. حدثت مواجهة بسيطة، انتهت برضوخ الآخرين» وظل وجهه مكشوفاً.
وقال القاضي «لقد تحلى برباطة جأشه حتى النهاية. لم يبد أي شحوب على وجهه إلا في اللحظة الأخيرة». وأضاف ان صدام كان متحدياً حتى اللحظة الأخيرة، «سأله أحد الحضور: هل أنت خائف؟ فأجاب: أنا لا أخشى أحداً. أنا طول عمري مجاهد ومناضل وأتوقع الموت في أي لحظة». وأضاف «يسقط الأمريكان ويسقط الفرس».
وذكر حداد أن آخر كلمات نطق بها صدام حسين توجه بها الى الشعب العراقي قائلاً «كونوا موحدين وأحذركم من الوثوق بالايرانيين والمحتلين».
وأشار مستشار رئيس الوزراء نوري المالكي، سامي العسكري، الى أن صدام «فارق الحياة» فور تنفيذ الحكم بإعدامه.
وروى العسكري، الذي حضر تنفيذ الحكم، أن صدام «اقتيد الى الإعدام بعد أن تلى عليه الحكم أحد القضاة وسأله قاض آخر هل لديه شيء يقوله أو يوصي به». وأضاف «هناك، طلب منه أن يتلو الشهادة. وبعدها وضع حبل المشنقة في رقبته ونفذ فيه حكم الإعدام ويداه مقيدتان ومات فوراً. في اللحظة التي سقط فيها في الحفرة فارق الحياة».
وقال القاضي حداد «سمعنا طقطقة فقرات عنقه. كان المنظر بشعاً ومات على الفور».
وأشار الربيعي الى أن الرئيس العراقي المخلوع وحده أعدم. أما المدانان الآخران رئيس المخابرات السابق أخوه غير الشقيق برزان التكريتي وعواد البندر، فقد أرجئ تنفيذ الحكم فيهما الى ما بعد انتهاء أيام عيد الأضحى.
وقال المالكي، في كلمة نشرها مكتبه بعد تنفيذ الإعدام، «نرفض رفضاً قاطعاً اعتبار صدام ممثلاً عن أي فئة أو طائفة من مكونات الشعب العراقي. فالطاغية لا يمثل إلا نفسه الشريرة».
وعرضت قناة عراقية خاصة صوراً لصدام بعد شنقه، التقطت على الارجح بهاتف محمول. ولُف جثمان الرئيس العراقي السابق في كفن أبيض كشف فقط عن وجهه. وبدا رأسه مائلاً الى الجانب الايمن.
كذلك عرضت قناة «العراقية» الحكومية صور صدام أثناء اقتياده ويداه مقيدتان خلف ظهره الى منصة المشنقة وحوله رجال مقنعون.
وقام اثنان من هؤلاء الرجال، كانا يرتديان سترتي جلد عاديتين، بتمرير حبل غليظ حول رقبته. وقاموا قبل ذلك بلف قطعة قماش سوداء حول عنقه.
ونشر موقع على الانترنت الأحد شريطاً مصوراً يظهر صدام لدى شنقه. وظهر في الشريط، الذي يرجح أنه صُور بهاتف محمول، الرئيس العراقي السابق وهو يتقدم باتجاه المشنقة بهدوء برفقة مجموعة من الحراس.
وهتف أحد الحضور «صل على محمد وآل محمد»، ورددت بعده مجموعة من الاشخاص القول «اللهم صل على محمد وآل محمد وعجّل فرجهم والعن عدوهم، مقتدى مقتدى مقتدى».
من جهته، ردد صدام «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله»، فيما هتف احد الموجودين الذين لم تظهر أي صورة واضحة لأي منهم «الى جهنم». وهتف آخر «عاش محمد باقر الصدر».
وتلفظ صدام بكلمات قليلة لم تفهم بسبب الضجة في المكان. بعدها سمع صوت فتح بوابة حديدية ليسقط صدام مباشرة مع تعالي صرخة أحد الحضور «اللهم صلّ على محمد وآل محمد». وصرخ آخر «سقط الطاغية لعنة الله عليه». ودفعت هذه العبارات أحد الأشخاص إلى مناشدة الحاضرين قائلاً «أرجوكم الكف عن هذه العبارات لأن الرجل بالإعدام».
ثم يظهر مشهد لصدام وهو معلق بحبل حول عنقه فيما وجهه متجه الى أعلى وعيناه مفتوحتان.
ومساء السبت، سلمت السلطات العراقية جثمان صدام الى زعماء عشيرته في مسقط رأسه في قرية العوجة قرب تكريت حيث دُفن.
وأفاد موسى فرج، احد افراد العائلة والذي شارك في مراسم الدفن، أن صدام «دفن عند الساعة 4.00 (1.00 توقيت غرينتش) فجر الأحد». وقال فرج، لوكالة «فرانس برس» ان «مئات الاشخاص من أفراد عشيرته ومحافظ صلاح الدين شاركوا في مراسم التشييع»، مشيراً الى أن الجثمان دفن في مبنى مخصص لإقامة مراسم عزاء في وسط العوجة شيد ابان حكم النظام السابق.
وروى نائب محافظ صلاح الدين، عبد الله حسين جبارة، في حديث الى «تلفزيون صلاح الدين» الذي يبث من تكريت، أنه وقَّّع مع المحافظ حمد حمود الشكطي والشيخ علي الندا، رئيس عشيرة البيجات التي ينتمي إليها صدام، على استلام الجثة بعد التأكد من ان الرئيس السابق «عومل وفق القانون ولم نشاهد أي اعتداءات جسدية على جثمانه. فقط كانت هناك كدمة على وجهه جراء الإعدام».
وقال جبارة «تأكدنا من قيام رجل دين سني بغسل جثمانه وتكفينه والصلاة عليه»، مشيراً الى أن الجثمان كان في مكان قريب من مقر مجلس الوزراء في بغداد. وأضاف «ثم رافقنا الجثمان من مقر مجلس الوزراء الى ساحة وجود الطائرة التي أقلتنا الى تكريت ووصلنا الى قاعدة جوية الساعة 2.30 بالتوقيت المحلي (23.30 توقيت غرينتش) ثم أقلتنا سيارة شرطة نحن والجثمان الى قرية العوجة التي وصلناها الساعة 3.15 بالتوقيت المحلي (0.15 توقيت غرينتش) حيث وجدنا أبناء العشيرة في الانتظار».
(أ ف ب، رويترز، يو بي آي، أ ب)



تحدث مستشار الأمن القومي العراقي موفق الربيعي عن بعض المشادات الكلامية قبل صعود صدام إلى المشنقة لرفضه وضع كيس أسود على رأسه.
وقال الربيعي «في إحدى اللحظات، أدار رأسه نحوي كما لو أنه يقول لي: لا تخف، انتابني شعور غريب».