موسكو ــ حبيب فوعاني
زالت مقوّمات حرب “الذهب الأسود” بين روسيا وبيلاروسيا الجمعة الفائت، بعد توقيع اتفاق بين البلدين، نسّقا على أساسه أطر التعاطي مع ارتباطات الثروة النفطيّة وتعقيداتها. إلّا أن فصول السجال بين موسكو ومينسك،حول العلاقات بين البلدين، لم تنته، لا بل يبدو أنّها في تصاعد مستمرّ، وخصوصاً بوجود «التدابير الخلّاقة» التي تبتكرها الولايات المتّحدة، الخائبة ممّا آلت إليه أوضاع المعارضة في مينسك، وتسعى جاهدة لإبعاد لوكاشينكو، الذي يعتبره الرئيس الأميركي جورج بوش «آخر ديكتاتوريّي أوروبا».
وخفضت موسكو، بموجب الاتّفاق المعقود، الرسوم على الصادرات النفطية إلى بيلاروسيا من نحو 180 دولاراً على الطن الواحد، إلى 53 دولاراً. وألغت بيلاروسيا بدورها رسوم الترانزيت على النفط الروسي المارّ عبر أراضيها إلى أوروبا، التي بلغت 45 دولاراً على الطن الواحد، متعهّدةً بإلغاء القيود المفروضة على الشركات الروسية العاملة على أراضيها.
وعلى صعيد العلاقات السياسيّة بين البلدين، وفي جوّ من الاحتقان، كال الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو مساء أوّل من أمس، نقداً لاذعاً على موسكو، متهماً إيّاها بالتسبّب بتردّي العلاقات بين البلدين، واضعاً آفاق إقامة دولة اتحادية موضع الاستفهام.
وقال لوكاشينكو، الذي شدّد على أنّه لا يريد «دفن سيادة واستقلال بيلاروسيا»، إنّ «الاتحاد يجب أن يُبنى على مبادئ المساواة، في حين يُطلـبُ منّا الدخول في عداد روسيا». وتابع «إذا طلبت روسيا من بيلاروسيا أسعاراً عالميّة، فإنّ مينسك ستضع أسعاراً عالميةً أيضاً على الترانزيت».
من جهته، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاتفاق بـ“الحلّ الوسط” بين الطرفين، وأكّد أنّ موسكو “ستواصل دعم الاقتصاد البيلاروسي ومساعدة الشعب البيلاروسي الشقيق”، لكن بحجم أقل من السابق.
وأعلن بوتين أنّ حجم الدعم غير المباشر، الذي ستقدّمه موسكو لمينسك في عام 2007، سيبلغ، في مجال المحروقات فقط، 5.8 مليار دولار، مشيراً إلى أنّ حجم الميزانية البيلاروسية سيصل في العام نفسه إلى ما يعادل 14 مليار دولار، وبالتالي فإنّ دعم روسيا سيشكّل 41 في المئة من حجم ميزانية مينسك.
وشدد الرئيس الروسي على أنّ التحوّل إلى علاقات السوق مع الشركاء البيلاروسيين، وخصوصاً في مجال الطاقة، يُعدّ النتيجة الرئيسية لتلك المحادثات، مضيفاً أنّ هذا الدعم كبيرٌ جداً، لكنه ثمن تدفعه روسيا مقابل التحوّل الهادئ إلى علاقات السوق.
إلى ذلك، ومن ناحية المقاربة الأميركيّة للأزمة المتنوّعة المظاهر بين البلدين، وقّع الرئيس الأميركي جورج بوش الجمعة الماضي “قانون الديموقراطية في بيلاروسيا”، الذي يتضمّن، إضافة إلى تمديد العقوبات الأميركية المفروضة على مينسك، فقرة تنصّ على اعتماد 20 مليون دولار من الخزانة الأميركية، سنويّاً وعلى مدى عامين، لمساندة المعارضة البيلاروسية، وكذلك اعتماد 7.5 ملايين دولار سنويّاً، على مدى عامين أيضاً، “لتطوير البث التلفزيوني والإذاعي على الأراضي البيلاروسية”.
واللافت هو أنّ الإدارة الأميركية، باتّخاذها هذا التدبير السريع، تفاعلت بسرعة مع تطوّر الخلاف بين “الإخوة الأعداء”، وأيّدت موسكو في هذا النزاع لتجيّره لمصلحتها، وبالتالي أمّنت حوافز للمعارضة البيلاروسيّة لانتهاز الفرصة وتنشيط العمل ضد نظام لوكاشينكو.