طهران ـــ إيلي شلهوب
تبدو إيران مصممة على المضي قدماً في برنامجها النووي، حتى لو كلفها ذلك حرباً مع أميركا، لكنها غير قلقة بهذا الشأن، وإنما خوفها الأساس ينصبّ على الفتنة الطائفية والمذهبية التي
قول إن الولايات المتحدة تعمل على إشعالها في المنطقة


سعى أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، خلال لقاء عقده في طهران أمس مع عدد من الصحافيين اللبنانيين، إلى تبرئة ذمة طهران من أي تورط لها في محاولات زرع الفتنة الطائفية في المنطقة، وتحميل مسؤوليتها إلى الولايات المتحدة التي قال إن نتائج عدوان تموز الماضي على لبنان قد دفعت بها إلى بذل المزيد من الجهود لتأجيجها «كي لا يسجل هذا الانتصار باسم حزب الله».
وقال لاريجاني، الذي أكد تناوله الملف اللبناني خلال محادثاته في السعودية قبل أيام، «حصل في لبنان حدث هام، هو حرب المقاومة الوطنية مع إسرائيل، الذي يشكل منعطفاً في تاريخ العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل وأدى إلى رفعة العرب والمسلمين، وعزتهم، ومن الطبيعي أن يحظى هذا الموضوع باهتمامنا واهتمام السعودية باعتبارها بلداً هاماً في العالمين العربي والإسلامي».
وأضاف لاريجاني، الذي أوضح أن «الأفكار كانت متفقة» مع الرياض «في مجال تعزيز الوحدة بين الفرق والجماعات الإسلامية»، أن «هناك مشكلة في لبنان، وهي بالطـــبع مشكلة داخلية، ولدينـــا، نحـــن والســــعودية، رغبة في ألا نتوانى عن المســــاعدة إذا كــــان بإمكاننا ذلك».
وتابع لاريجاني، رداً على سؤال عن رفض السعودية عرض مشاورات كانت قد تقدمت به إيران بشأن التوصل إلى حل في لبنان، «لم نقدم مشروعاً أو خطة للسعودية حتى ترفضها». وأضاف إن إيران ترى أن القضية اللبنانية «قضية داخلية، وعليه فإن التيارات الداخلية اللبنانية هي المعنية بحلها، ... ولكن كان لنا اتفاق مع السعودية في مسألة التوجه نحو تقديم حل لهذه القضية».
وتابع لاريجاني، وهو أيضاً كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي، «إن ما ينبغي أن نهتم به هو أن يكون لبنان بلداً قوياً ومستقراً»، مشيراً إلى أن «على الحكومة اللبنانية، التي كانت لديها ممارسات تبعث على الاعتزاز، أن تقف بقوة أيضاً من أجل تأليف حكومة الوحدة الوطنية وأن يعيش الناس بهدوء ويبدو لي أن الشعب والحكومة في لبنان قاما بخطوة جيدة لتغيير الظروف».
وشدد لاريجاني على أن إيران «مستعدة لدعم أي مشروع من أجل أن تكون هناك حكومة قوية وذات قدرة في لبنان، وليس لدينا مانع إذا أرادت أي جهة أن تستفيد من نفوذنا في هذا الاتجاه».
وأضاف لاريجاني «لكن هناك نقطة مهمة تتعلق بالمنطقة كلها وليس لها علاقة بموضوع لبنان. تعلمون أنه ثمة تيار يتوخى منذ فترة بث الفرقة بين السنة والشيعة. سبق أن أشار ملك الأردن عبد الله الثاني إلى موضوع الهلال الشيعي. وبعد ذلك، أشار الرئيس المصري حسني مبارك في الاتجاه نفسه، مع أنه قال، خلال زيارتي لمصر، إن ما نقل عنه قد حُرّف».
وتابع لاريجاني «لكن هذا الموضوع خلق مناخاً معيناً، وبعض علماء الدين في السعودية أشاروا إليه»، مضيفاً إن ملفين أساسيين ساهما في ذلك هما العراق ولبنان.
وقال لاريجاني «بعد انتصار حزب الله والمقاومة على إسرائيل، أراد الأميركيون أن يخلقوا حالة من المرارة ومن أجل ذلك قاموا بإثارة الخلاف والفرقة بين الشيعة والسنة، لأنهم أرادوا ألا يسجل هذا الانتصار باسم حزب الله». وأضاف «تعلمون أن قضية شن هجوم على لبنان تم التخطيط لها في وقت مبكر في الولايات المتحدة». وتابع «ما عدا بعض الأخطاء التي حصلت في الداخل وأيضاً في المنطقة، فإن ما قام به حزب الله زاد من عزة لبنان ورفعته ومعه الدول العربية والإسلامية بحيث أن أحد القادة الأوروبيين قال لي إن الهزيمة التي تجرعتها أميركا وإسرائيل في لبنان كبيرة إلى حد أصبح فيه (رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود) أولمرت وكأنه مجرد جنازة سياسية».
وشدد لاريجاني على أن «دعمنا لحزب الله، مماثل للدعم الذي نقدمه إلى حركة حماس، ولا يتعلق الموضوع بشيعة أو سنة وإنما بقداسة السبيل الذي ينتهجانه». وقال «إن بعض الدول كانت لديها حسابات خاطئة خلال الحرب ولم تقدم الدعم إلى حزب الله، وحتى في داخل لبنان كان لدى البعض حسابات خاطئة. لا مانع في ذلك، أحياناً في عالم السياسة قد يرتكب البعض أخطاءً، لكن الآن بما أن القضية انتهت بشكل جيد، فعلى الجميع أن يشعر بأن هذا الانتصار يعود إليه أيضاً. وكان عليهم الاعتذار عن الأخطاء التي ارتكبوها وعدم الفرار إلى الأمام. كان من الضروري أن يستفيدوا من هذه القضية لكي تعود عليهم بالنفع».
وقال لاريجاني «يبدو أنه بعد هذه الأحداث، قام الآخرون بتنظيم هذه الفتنة بين الشيعة والسنة، وهي ليست لصالح العالم الإسلامي وموضوع الهلال الشيعي ليس سوى قصة وهذه القضية ليست قضيتنا. لدينا منذ الثورة استراتيجية تقوم على توطيد الوحدة بين السنة والشيعة والإمام الخميني هو الذي أرسى هذه السياسة وهي لا تتغير. نحن ندعم التيارات المتنورة والمثقفة لمواجهة السياسة التي تنتهجها أميركا وإسرائيل».
ورداً على سؤال بشأن القناعة التي تتبلور عن وجود صراع عربي إيراني في المنطقة وما تم الاتفاق عليه لتخفيف حدة هذا الصراع في لبنان والعراق، قال لاريجاني «علاقاتنا بالبلدان الأخرى لا تقوم على أساس عربي إيراني، وعلى الأخص الدول العربية، بما أنها إسلامية فهي عزيزة بالنسبة إلينا».
وأوضح لاريجاني «في هذا الصراع العربي الإيراني هناك قضية كامنة. كان الشاه وحكومته، قبل الثورة، على علاقة بإسرائيل وكانت إيران قاعدة لأميركا في المنطقة التي لم تكن دولها تجرؤ على أن تنبث ببنت شفة ضد حكومة الشاه. أسقطتنا هذا الديكتاتور وأزلنا القواعد الأميركية وطردنا إسرائيل من بلدنا وأتينا بـ(الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر) عرفات وقدمنا إليه سفارة هنا واستجمعنا قوى إيران بالكامل من أجل دعم الدول العربية مقابل إسرائيل... إذاً نحن لا نلعب في الشطرنج العربي الإيراني ونرى ذلك خاطئاً لأننا أثبتنا أننا نقف وراء العرب في صراعهم مع إسرائيل».
وأضاف لاريجاني «يريد الأعداء التصعيد في هذا المجال لأنه في مشروع الشرق الأوسط الكبير، ممنوع على دول المنطقة إقامة علاقات استراتيجية في ما بينها. ما نفهمه في هذه القضية هو أنه ينبغي على أميركا أن تكون لديها علاقات بهذه الدول (العربية) بشكل منفرد، حتى في مجال الترتيبات الأمنية. لو كانت دول المنطقة متواصلة ولديها علاقات في ما بينها لما كانت ثمة حاجة إلى رأس الهرم وهو الولايات المتحدة. لذا إذا أرادوا تخريب هذا التواصل وهذه العلاقات فعليهم إثارة خلافات بين هذه البلدان، تارة عن طريق إثارة الخلاف السني الشيعي وتارة أخرى عن طريق العزف على الوتر العربي الإيراني».
وتابع لاريجاني «نشعر بسعادة لأن لدى السعودية والدول الأخرى في المنطقة فهماً دقيقاً بأن ما يسمى الخلاف العربي الإيراني أو السني الشيعي ليس خلافاً محلياً وإنما من تأثير عامل خارجي».
وقال لاريجاني، رداً على سؤال عما إذا كانت إيران تستخدم بيادق لبنانية في لعبة الشطرنج التي تلعبها مع أميركا وإسرائيل اللتين تستخدمان بيادق عربية، «لا أعلم لماذا حصلتم على انطباع بأننا نمارس لعبة الشطرنج مع هذين المخلوقين الشيطانيين. من الواضح أين هي المشكلة في قضية المنطقة؛ إحدى المشاكل هي إسرائيل التي يريدون فرضها على المنطقة، وأيضاً السلوك الذي تريد الولايات المتحدة تطبيقه في بلاد العالم والقائم على أساس السيد والعبد». وأضاف «عليكم أن تسألوا أنفسكم هذا السؤال: ألم يكن هناك نشر ديموقراطية في مشروع الشرق الأوسط الكبير؟ لماذا لا يتابعون ذلك؟ لأن حماس كانت نتيجة لهذه العملية الديموقراطية.
والعديد من بلدان المنطقة في ظل الديموقراطية كانت ستتضعضع نتيجة ذلك. قامت هذه الدول بالضغط على أميركا التي غيرت سياساتها. قالت: حافظوا على مصالحنا تبقوا في السلطة».
أما المشكلة الثانية في المنطقة فهي «أننا نواجه دولة تتغير آراؤها كل يوم وبعض تصرفاتها وتدخلاتها في المنطقة خاطئ. نحن لا نريد أبداً أن نخلق ساحة للصراع في بلد آخر. لسنا كالأميركيين. هذه الممارسات تكون على مستوى السيدة (كوندوليزا) رايس عندما جاءت إلى لبنان في بداية الحرب والتقت بعض الجماعات هناك وقالت إنه، خلال هذا النزاع، سوف تتم إبادة حزب الله وإعدام قادته وأنتم قوموا بإثارة الاضطرابات في هذا البلد. هذه السياسة بالذات هي التي تعني أنهم يريدون نقل النزاعات من بلد إلى آخر. نحن لا نريد ذلك. ونعتقد أن لدى الأميركيين بعض العقل ليفهموا مع أي بلد يتواجهون»، في إشارة إلى إيران. وأضاف «بالطبع، سيكون للمواجهة مع إيران تداعيات في المنطقة».
ورأى لاريجاني أن قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 «فيه تقلبات. بعض أجزائه لمصلحة الشعب اللبناني وهناك أجزاء أخرى ليست في مصلحته. إذاً، ينبغي تناول هذا القرار في الإطار الداخلي اللبناني. ندعم كل قرار تتخذه حكومة الوحدة الوطنية في لبنان في هذا المجال».
وجدد لاريجاني إلقاء اللوم على الولايات المتحدة في وقف المفاوضات بشأن الملف النووي ونقله إلى مجلس الأمن الذي فرض عقوبات على طهران، رغم أن العديد من المسؤولين الغربيين قالوا إن «تقدماً قد حصل» في المفاوضات بين طهران ومفوض شؤون السياسات الأمنية والخارجية في الاتحاد الأوروبي.
ورأى لاريجاني أن ما كان قابلاً للتسوية قبل استصدار القرار الدولي الأخير بشأن إيران ما عاد كذلك بعده. وقال «إن المعيار الذي كان يمكن أن نتفاهم على أساسه قد تغير. والظروف أصبحت مختلفة».
ورداً على سؤال لـ«الأخبار» عما ستختاره إيران في حال خُيّرت بين الحرب والبرنامج النووي، قال لاريجاني «علينا أن نميز بين قضيتين: الأمر الأول أن نكون نريد الحرب، ونحن لا نريدها. لا نريد أن نمارس المغامرة ونرى ذلك مُضراً للجميع. والأمر الثاني مدى إصرارنا على متابعة الملف النووي. إذا سألوكم وخيّروكم في لبنان بين وحدة التراب الوطني اللبناني وبين الحرب فماذا تختارون. هنا ستسمعون الرد نفسه».
وتابع لارجاني إن «على الأميركيين أن يغيروا سياسة المغامرة التي يتبعونها. هذه الاستراتيجية لا تؤدي إلى النتائج المتوخاة في الشرق الأوسط. فيها خلل وهي ناجمة عن (مبدأ) الضربة الاستباقية».
وأوضح لاريجاني «انطباعي أن الأميركيين، عندما قاموا بالتخطيط لاستراتيجية الضربة الاستباقية، خلق ذلك نوعاً من ممارسة المغامرة في العالم، وسلوك أميركا سلوك مغامرة. لقد تحملوا هزائم عديدة، في أفغانستان وفي العراق وفي لبنان، وهذه المغامرة الأخيرة ستكون المغامرة المصيرية وستمس رصيدهم على مدى التاريخ وتحمل في طياتها مجازفة كبيرة بالنسبة إليهم».
وقال لاريجاني، رداً على سؤال عما إذا كانت إيران تتوقع ضربة أميركية، «قامت أميركا بتكوين حلقات لمحاصرة إيران. هدفها ممارسة الضغط علينا. لكننا نقوم بإدارة الوقت ونهتم بهذا الأمر ولن ندعهم يصلون إلى هذا الهدف وسنغير الظروف بالنسبة إليهم. هذا السبيل لا يصل إلى نتيجة».