موسكو ـــ حبيب فوعاني
تميّز الأسبوع الماضي بنشوب “حرب الطائرات” الكلامية بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ووزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس؛ فقد ألمح لافروف للصحافيين الروس، الذين رافقوه على طائرة العودة من القاهرة إلى موسكو، إلى أن الولايات المتحدة هي التي تعرقل عقد اللقاء السداسي في شأن إيران. في وقت صرحت فيه رايس للصحافيين الأميركيين، الذين رافقوها على طائرة أخرى في طريق عودتها إلى واشنطن من الأردن، بأن "وحدة مجموعة الست لم تعد هدفاً قائماً بذاته” لهاوالحديث عن وجود “خلافات تكتيكية” بين الصين والاتحاد الروسي من جهة والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا من جهة أخرى، هو تمويه للخلافات العميقة، التي بدأت تخيم على علاقات روسيا “البوتينية” بالغرب، وهي مرشحة للتفاقم بعد سيطرة الغالبية الديموقراطية على الكونغرس الأميركي.
وبدا ذلك واضحاً في اقتراح وزير الدفاع الروسي سيرغي إيفانوف تقاسم العالم بين حلف شمال الأطلسي ومنظمة معاهدة الأمن المشترك، التي تضم روسيا وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزيا وطاجكستان وأوزبكستان، وذلك لدى افتتاحه نهار الجمعة الماضي منتدى وسائل إعلام رابطة الدول المستقلة في موسكو.
ويحيي اقتراح إيفانوف مرحلة المواجهة التي كانت قائمة بين الأطلسي ودول حلف وارسو حتى عام 1991، وفي حقيقة الأمر، يطرح إيفانوف على حلف الأطلسي صيغة جديدة للعلاقات المتبادلة في أوروبا، ما دام الحلف لم ينفذ وعوده، عندما ضم حلفاء موسكو السابقين في حلف وارسو كذلك دول البلطيق. لذا فمن الممكن أن يشهد العالم نشوء حلف وارسو جديد باسم منظمة معاهدة الأمن الجماعي.
ورغم أن مسؤولي الأطلسي يفضلون حتى الآن التعامل مع الدول الأعضاء في المنظمة بشكل ثنائي، إلا أن انضمام دول منظمة شنغهاي للتعاون، وفي مقدمتها الصين، إلى هذا الحلف الجديد سيجبر الأطلسيين على التعامل مع الحلف الجديد من منطلق الندية.
من ناحية أخرى، عبّر لافروف في جلسة مجلس وزراء خارجية منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، الإثنين الماضي في بروكسل، عن أسفه لأن إصلاح المنظمة، التي أنشئت في عام 1975، لا يزال يراوح مكانه. وذكر لافروف أن المنظمة لم تتمكن من العودة إلى مهمتها الأساسية ومعالجة مشكلات الأمن في جميع أبعاده وخصوصاً البعد السياسي ـــ العسكري، وتركز نشاطها في الأوقات الأخيرة على حقوق الإنسان. وانتقد لافروف استخدام المنظمة "كساحة لطرح معالجات مسيسة وأحادية الجانب للنزاعات المجمدة”.
ويبدو أن لافروف قد أدرك أن وجهات نظر روسيا والغرب تتناقض تماماً في شأن مهمة منظمة الأمن، لذلك أقدم على خطوة مفاجئة، وخيّر المجتمعين بين العودة إلى جذور المنظمة الحقيقية أو الاعتراف بها قانونياً كمنظمة للمشكلات الإنسانية، وهذا يعني أن موسكو تطرح في واقع الأمر، وللمرة الأولى، مسألة عضويتها في منظمة الأمن والتعاون الأوروبي على بساط البحث، بل ومسألة الإبقاء على المنظمة في شكلها الحالي. وستترتب على ذلك عواقب خطيرة، إذ إن الانشقاق في هذه المنظمة سيصبح خطوة تؤدي إلى انشقاق أوروبا والعالم، الذي تميزت به مرحلة “الحرب الباردة”.