موسكو ـــ حبيب فوعاني
على العكس من زياراته السابقة الى روسيا، تتخذ زيارة الرئيس السوري بشار الأسد المتوقعة في 19 كانون الأول الجاري الى موسكو منحىً سياسياً أكثر منه اقتصادياً أو عسكرياً، في ظل محاولات فرنسا والولايات المتحدة عزل دمشق دولياً، ما يجعلها بمثابة طلب مساندة من الاتحاد الروسي لتخفيف حجم العزلة المرتقبة. ومن المفيد التذكير في هذا المجال بأن زيارة الرئيس السوري الأولى إلى موسكو في 25 كانون الثاني عام 2005 أتت في وقت كان فيه مصير النظام السوري موضع تساؤل، حيث اشتدت الضغوط الغربية على دمشق أثناء “هجمة الديموقراطية” الأميركية على المنطقة وإجراء الانتخابات في فلسطين والعراق، بينما كانت موسكو في السنة الثانية من ولاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحاول القيام بخطواتها الأولى لتأكيد استقلاليتها في قراراتها وعلاقاتها على الصعيد الدولي.
وقد شدّد الأسد آنذاك على الرجوع إلى المبادرة السلمية لقمة بيروت عام 2002، وأصر على ضرورة إنشاء دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وأعلن في الوقت نفسه قبول سوريا الدخول في مفاوضات مع إسرائيل.
وقد سمح “هجوم السلام” السوري لروسيا آنذاك بالعودة إلى مواقعها الضائعة في الشرق الأوسط وجعل منها رائد سلام حقيقياً، لأن سوريا هي البلد الوحيد، الذي تستطيع موسكو التأثير من خلاله في مسار أزمة الشرق الأوسط. وأعلنت موسكو على الفور إلغاء 73 في المئة من الديون السورية (حوالى 10 مليارات دولار)، ما منح الفرصة لدمشق بعد تحررها من أعباء الديون العسكرية السوفياتية للبحث في شراء أسلحة روسية جديدة، وتسديد ثمنها نقداً وبالعملة الصعبة، حسب القواعد الروسية الجديدة، بينما كانت سوريا لا تتلقى منذ عام 2000 إلى عام 2005 سوى الذخائر من موسكو.
وإذا كانت الأولوية قد أعطيت في الزيارة السابقة للأمور العسكرية والاقتصادية، فمن المتوقع أن تركز الزيارة المرتقبة للأسد على الجوانب السياسية، ذلك لأن توريد الأسلحة والتقنية العسكرية الروسية يتم من دون عوائق، رغم إلغاء الرئيس الروسي صفقة توريد منظومة صواريخ “إسكندر ــ إ” التكتيكية إلى سوريا بعد تسريب الاستخبارات الإسرائيلية معلومات عنها إلى الصحافة في بداية شهر كانون الثاني 2005. هذا، ويستمر العمل على تحديث القاعدة الروسية في ميناء طرطوس.
وتأتي زيارة الاسد هذا الشهر في أجواء تختلف عن أجواء الزيارة الأولى، حيث نجح النظام السوري في الصمود إزاء الضغوط الغربية بعد مراوحة الديموقراطية الفلسطينية مكانها والهزيمة الإسرائيلية في لبنان والفشل الأميركي في العراق، وبعدما نجحت روسيا في تثبيت أقدامها كلاعب مستقل على الصعيد الدولي.
مع ذلك، تعدّ هذه الزيارة حدثاً غير عادي في ضوء العلاقات السورية التي ما زالت متوترة مع الغرب.
وترى موسكو أن من الخطر الرهان على تغيير النظام السوري، وتعتقد أنه في حالة سقوط نظام دمشق، فمن الممكن أن يصل الإسلاميون من أنصار “الإخوان المسلمين” إلى السلطة، الذين ترى موسكو أن “مغازلتهم” محفوفة بالمخاطر. لذلك فإن الاتجاه الغربي نحو عزل سوريا بسبب الاتهامات في ضلوع الرئيس السوري في اغتيال الرئيس رفيق الحريري يعدّ خاطئاً بنظر موسكو.
وتعتقد الأوساط السياسية الروسية الرسمية أنْ لا أساس لهذه الاتهامات من الصحة، وأن “باريس وواشنطن حشرتا بشار الأسد في الزاوية، وفي هذا الحالة علينا مساندته”. لذا ستتم هذه الزيارة تحت شعار “رفع الحصار عن الأسد”.