غزة ــ رائد لافي
هل انطلقت شرارة الاقتتال الداخلي الفلسطيني؟
وهل خرجت الاشتباكات عن دائرة السيطرة؟ أسئلة برسم المسؤولين وقادة الفصائل الفلسطينية، بعدما سقطت حرمة الدم الفلسطيني وتزايدت بوادر “الحرب الأهلية”


اتسعت أمس دائرة المواجهات في الأراضي الفلسطينية، بعد محاولة اغتيال رئيس الوزراء إسماعيل هنية، فاندلعت اشتباكات عنيفة في الضفة الغربية بين أنصار “فتح” و“حماس” التي استغلت ذكرى تأسيسها لاستعراض قوتها في الشارع في قطاع غزة، واتهمت صراحة النائب “الفتحاوي” محمد دحلان بمحاولة تصفية رئيس الوزراء، وهو ما رأته “فتح” تمهيداً لاغتيال القيادي فيها، في وقت دخلت واشنطن على خط التحريض الداخلي، مشيرة إلى أن الرئيس محمود عباس هو من منع هنية من دخول قطاع غزة محمّلاً بالأموال.
وحشدت حركة “حماس” الآلاف من عناصرها في ملعب اليرموك في مدينة غزة، إحياء للذكرى الـ19 لانطلاقتها، قبل ساعات من الخطاب المرتقب للرئيس محمود عباس (اليوم) السبت.
وتعهد هنية، خلال المهرجان الجماهيري، أن “الحكومة لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء الجريمة، وستتابع الأمر وفق مقتضيات القانون والعدالة، وستضع الأسماء التي توصلت التحقيقات لها أمام وزارة الداخلية”. ورأى أن ما حدث كان نتيجة “مكر حيك في الليل والنهار”، بهدف التشويش على الجولة الناجحة التي قام بها وحققت “اختراقاً حقيقياً للحصار”.
وقال المتحدث باسم حركة “حماس”، إسماعيل رضوان: “نحمد الله على نجاة هنية من محاولة اغتيال جبانة على أيدي فئة حاقدة يقودها المدعو دحلان، الذي خطط ودبر هذه المحاولة الآثمة”. وأضاف: “سنعمل كل ما في وسعنا لبيان الحقيقة عبر المجلس التشريعي ورفع الحصانة البرلمانية عن النائب دحلان، الذي يقود التيار الانقلابي ضد الحكومة”.
وكان هنية تعرض لمحاولة اغتيال بإطلاق نار كثيف على موكبه عند معبر رفح، ما أدى إلى مقتل مرافقه الشخصي عبد الرحمن نصار، وإصابة نجله البكر عبد السلام بعيار ناري في الوجه، ومستشاره السياسي أحمد يوسف بعيار ناري في الكتف، وإصابة آخرين.
ووصف هنية مرافقه نصار بأنه “شهيد السيادة والكرامة”. وقال إن “الشهيد عبد الرحمن احتضنني لحمايتي من الرصاص المباشر الذي أطلقه مسلحون اعتلوا الأسطح واختبأوا خلف صالة المعبر، ليسقط شهيداً إلى جانبي”. وشدد على أن هناك “أطرافاً متآمرة لا يروق لها ما حققته الحكومة منذ تشكيلها رغم الحصار”. وتابع: «لكل من يفكر في منطق الاغتيال، إن الموت لا يؤثر في شبل صغير، نحن التحقنا بالحركة لنكون شهداء لا وزراء».
وقد أحاط عشرات المسلحين برئيس الوزراء لدى دخوله مكان الاحتفال. وحيا هنية المحتشدين عن منصة الاحتفال وسط حماية أمنية مشددة، وانتشار كبير للمسلحين من كل الأجهزة الأمنية في محيط منطقة الملعب، خشية وقوع صدامات.
وقال رضوان بلهجة تهديد واضحة إن حركة “حماس” ستعمل “على قطع دابر من خطط لهذه المحاولة المكشوفة لاغتيال هنية عبر عناصر من جهاز أمن الرئاسة”.
وطالب النائب عن الحركة، مشير المصري، بمثول دحلان أمام المجلس التشريعي لـ“محاكمته على كل الجرائم التي ارتكبها ويفعلها في الساحة الفلسطينية، فهو من أسس فرقة الموت وأسس التيار الانقلابي في فتح واعتقل المجاهدين وشن حرباً مفتوحة ضد الحكومة الفلسطينية”.
وقال وزير الخارجية الفلسطيني محمود الزهار: «نحن نعرف من الذي أطلق النار وسيتم القصاص منه بأقصى عقوبة. لن يهدأوا ولن يناموا في بيوتهم بعد هذه اللحظة».
ورد دحلان على اتهامه بالقول: “هذه فضيحة جديدة من فضائح حماس، واتهامي هو كذب وادعاء وهي محاولة للتستر على جريمة قتل الأطفال الثلاثة وعلى اقتحام ميليشيات حماس للمعبر ونهبه وهذا موثق بالكاميرات”.
وأشار دحلان، في تصريحات صحافية، إلى أن “حماس تعرف وتتستر على قتلة الأطفال الثلاثة، وهناك دلائل على أن الذين قتلوا الأطفال هم من عناصرها”. وشدد على أن “الحكومة متورطة في الفلتان الأمني بشكل علني، والمطلوب ألا تستمر حماس بالتهرب من عارها وفشلها”. ونفى دحلان أن يكون يخشى على حياته، وقال إن “حماس أصغر من أن تقرر مصيري، وكلما فشلت وزعت التهم على الآخرين”.
ورأى رئيس دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير، صائب عريقات، تحميل حركة “حماس” المسؤولية لدحلان بمثابة تحريض صريح على قتله، ودعوة للتطرف والعنف.
وقال عريقات، في مؤتمر صحافي في رام الله: “بأي حق تدمّر الممتلكات العامة في المعبر، ومن ثم تخرج الأبواق باتهام دحلان، للتجهيز لعملية قتله بهذه اللامبالاة وبهذه اللامسؤولية”.
ووفقاً لعريقات، فإن عباس وافق على تشكيل لجنة تقصٍّ للتحقيق في أحداث معبر رفح، ولا سيما بعد اتهامات “حماس” لحرس الرئيس بإطلاق النار.
وانتقلت حمى التوتر من غزة إلى الضفة الغربية، عندما أطلقت قوات أمن الرئاسة والشرطة وعناصر «كتائب الاقصى» التابعة لحركة «فتح» النار على مسيرة سلمية لحركة «حماس» في رام الله. وقالت مصادر فلسطينية إن 35 جريحاً وقعوا في الاشتباكات.
وقالت مصادر أمنية فلسطينية إن الاشتباكات دارت بعد خروج المئات من ناشطي «حماس» في مسيرة حاشدة انطلقت من مسجد جمال عبد الناصر وسط المدينة، بعد صلاة الجمعة، جراء إطلاق النار من المسلحين على التظاهرة.
وفي غزة، اندلعت اشتباكات مسلحة بين عناصر من الحركتين خلال تشييع مرافق رئيس الوزراء.
وفي هذا السياق، استبق رئيس كتلة حركة “حماس” البرلمانية، خليل الحية، خطاب عباس المقرر اليوم، مهدداً بأن حركة “حماس” “لن تسمح بالانقلاب على إرادة الشعب مهما كانت النتائج والعواقب”، في إشارة إلى رفض خيار الاستفتاء تمهيداً للانتخابات المبكرة. وقال: “لن ننجر لحرب أهلية يخطط لها العملاء، ولكن ليس على حساب استهداف رموزنا وقادتنا ولن نمرر مخطط تلك الحرب والانقلاب على الحكومة”.
وتساءل الحية: «أي حرب تعلنها يا محمود عباس على الله ثم على حماس؟»، محملاً الجميع «المسؤولية قبل فوات الأوان».
وكشف الحية أن حركة “حماس” ستبدأ بدءاً من اليوم السبت في مشاورات جادة لتأليف حكومة وحدة لا تستثني أحداً، وغير مشروطة على أساس احترام نتائج الانتخابات وخيار الشعب الفلسطيني للخروج من الأزمة الراهنة.
أما عباس فأعرب من جهته عن “أسفه” لإطلاق النار على موكب هنية. وقال إنه “يتابع الموقف عن كثب”.
وفي واشنطن، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية شون ماكورماك أول من أمس أن الرئيس الفلسطيني قد يكون قرر منع رئيس الوزراء من دخول قطاع غزة ومعه ملايين الدولارات. وقال: “أعتقد أن ذلك يخالف قوانين السلطة الفلسطينية وأن الرئيس عباس والسلطة الفلسطينية كانا يقومان بتطبيق قوانينهم”. وأضاف: “هذا أمر يعود فعلاً للفلسطينيين لحله في ما بينهم”.