موسكو ــ حبيب فوعاني
غاب الملف اللبناني عن التصريحات الرسمية التي عجت بها موسكو أمس بمناسبة زيارة الرئيس السوري بشار الأسد. لكنه كان حاضراً بقوة في المحادثات التي عقدت في الكرملين. على الأقل، هذا ما أفادت به وسائل الإعلام الروسية التي تحدثت عن محاولة من الرئيس فلاديمير بوتين لعقد صفقة مع ضيفه حول لبنان

استهل الرئيس السوري بشار الأسد أمس مباحثاته في موسكو بتأكيد انفتاحه على الحوار معش واشنطن، ورفضه «تقبل أي تعليمات منها»، نافياً اتهامات موجهة إلى سوريا بنقل أسلحة روسية إلى حزب الله في لبنان، في وقت تحدثت أنباءصحافية عن سعي روسيا إلى عقد صفقة مع الأسد بشأن الوضع اللبناني، يتضمن «وقف دعم دمشق لجهود إسقاط الحكومة اللبنانية» في مقابل وقف اتهامها بالتورط في اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وقال بوتين، أثناء لقائه الأسد في الكرملين، إن «الوضع في المنطقة لا يزال متوتراً. ونحن نشاهد المنطقة تنتقل من نزاع إلى آخر، وذلك يثير قلقنا بالتأكيد».
وبعدما أشار إلى أنه استقبل أخيراً رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ورئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة، قال بوتين: «إننا نواصل المشاركة بطريقة فعالة في عملية السلام في الشرق الأوسط، ونواصل الاتصال بكل القوى السياسية في فلسطين»، مشدداً على أن «سوريا اضطلعت وتضطلع وستضطلع بدور مهم» في الشرق الأوسط.
بدوره، أشاد الأسد بجهود روسيا، وقال: «إن تعاوننا أصبح أكثر متانة أخيراً، وإن أحد أهداف زيارتي توسيع هذا التعاون».
وقال الأسد إن سوريا منفتحة على الحوار مع واشنطن بشأن كيفية تحسين الوضع في الشرق الأوسط، وخصوصاً العراق. وأضاف: «عليهم أن يفرّقوا بين الحوار وإملاء التعليمات»، مشدداً على «أننا منفتحون على الحوار، لكننا لن نتلقى تعليمات من أحد». وتابع: «نحن منفتحون على أي نوع من الحوار، ولا يهم كيف. المهم هو جوهر الحوار».
ورأى الأسد أن محاولات عزل دمشق تعطل عملية التسوية في الشرق الأوسط، ونفى احتمال وصول أسلحة روسية إلى حزب الله، قائلاً: «إن من يقوم بنشر مثل هذه المعلومات بالاستناد إلى معطيات استخبارية مستلمة من أقمار اصطناعية، يجب عليهم أن يقدموا أدلة حقيقية».
ويأتي نفي الأسد، في وقت أفادت فيه القناة العاشرة في التلفزيون الاسرائيلي بأنها علمت بأن الرئيس فؤاد السنيورة «طلب من المسؤولين الروس إيقاف العمل باتفاقية توريد الأسلحة إلى سوريا لأنه سيصل في نهاية المطاف إلى حزب الله».
وقال الأسد، من جهة أخرى، إن التسوية في العراق شأن عراقي داخلي. وشدد على ضرورة إجراء حوار بين القوى العراقية من دون تدخل من الخارج، وفي ظل دعم من القوى الإقليمية والعالمية البارزة من أجل تطبيع الوضع في هذا البلد.
وأضاف الرئيس السوري أن تل أبيب لا ترغب بإجراء مفاوضات مع دمشق، مشيراً إلى عدم توافر الظروف المناسبة للاتفاق على سلام مع إسرائيل. وقال إن الموقف السوري من المفاوضات مع إسرائيل لم يتغير منذ عام 1974، موضحاً أن سوريا ترغب بإجراء مفاوضات مع إسرائيل، ولكن الأخيرة لا ترغب بذلك.
ونفى الأسد تقارير إعلامية إسرائيلية ذكرت أن سوريا بعثت بمقترحات سرية إلى إسرائيل تشمل إجراء محادثات بشأن مرتفعات الجولان وتعرض تقديم مساعدة في الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير في قطاع غزة جلعاد شاليط. وقال الأسد: «لا يوجد مثل هذا الاقتراح.. لا شيء».
واشترط الأسد لبدء هذه المفاوضات وجود راع للتسوية السلمية في الشرق الأوسط يملك فكرة للتسوية ورغبة بتنفيذ تلك الفكرة. وقال إن مواقف الطرفين كانت متطابقة إزاء تسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. وأضاف أن الجانبين السوري والروسي «متفقان على الشيء الرئيسي، وهو إمكان التوصل إلى السلام بعد تحقيق الوحدة الوطنية بين الفلسطينيين». وقال إن سوريا ترغب في رؤية روسيا راعياً فاعلاً لعملية التسوية في الشرق الأوسط. وأضاف: «تستطيع روسيا أن تلعب دور الراعي هذا بفاعلية».
وقال الأسد إن أحد أهداف زيارته إلى موسكو يتمثل في توسيع التعاون في مختلف المجالات نظراً إلى الدور المتنامي لروسيا في العالم. وقال: «نحن نساهم في استقرار الوضع في المنطقة، وسنحث الآخرين على العمل في هذا الاتجاه».
في هذا الوقت، ذكرت صحيفة «كوميرسانت» الروسية أمس أن موسكو تسعى إلى التوصل إلى صفقة يمتنع بموجبها لبنان عن اتهام سوريا بالضلوع في اغتيال الحريري، في مقابل امتناع دمشق عن محاولة إسقاط حكومة السنيورة.
وأضافت «كوميرسانت» ان «دمشق بحاجة ماسة إلى دعم موسكو في قضية إنشاء محكمة دولية في قضية اغتيال رئيس الوزراء السابق الحريري. وموسكو تتوقع من سوريا دعماً لمبادراتها الأخيرة الهادفة إلى رفع مستوى دور روسيا» في الشرق الأوسط.
وأوضحت الصحيفة نفسها أن الرئيس الروسي سيسعى إلى الحصول على دعم الأسد لعقد مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط في موسكو يجمع «الأطراف المتخاصمة لبنان وسوريا وإيران ربما، والسلطة الفلسطينية وإسرائيل».
وذكرت مصادر دبلوماسية عربية في موسكو أنه إذا نجحت فرنسا والولايات المتحدة على أي حال في تمرير فكرة المحكمة في مجلس الأمن الدولي، فإن موسكو ودمشق ستتقدمان بمبادرة مقابلة، تتمثل بطلب إجراء تحقيق دولي بشأن البرنامج النووي الإسرائيلي.
ومن المرجح كذلك أن تجري خلال زيارة الأسد مناقشة مبيعات الأسلحة الروسية إلى سوريا.
وفي مقابلة مع صحيفة «روسيسكايا غازيتا» الروسية نشرت أول من أمس، لمّح نائب الرئيس السوري فاروق الشرع إلى الاهتمام السوري بشراء المزيد من الأسلحة الروسية بعد صفقة أثارت غضب إسرائيل وانزعاجاً في واشنطن في السابق.
وذكرت صحيفة «كوميرسانت» أن دمشق تفكر في شراء مقاتلات «ميغ ــ 29 اس ام تي» من روسيا، إضافة الى غواصات «امور ــ 1650»، وطائرات «ياك ــ 130» ومزيد من انظمة «بانتسير ــ سي 1» للدفاع.
وذكرت الصحيفة نفسها أن روسيا تتطلع إلى احتمال توسيع قاعدة امدادات في ميناء طرطوس السوري تستخدمها القوات البحرية الروسية ومن قبلها القوات البحرية السوفياتية بهدف تحويلها إلى قاعدة كاملة وموطئ قدم للبحرية الروسية في البحر المتوسط.
وكانت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” قالت قبل أيام إن “الأسد يأتي إلى موسكو قبل كل شيء لعقد صفقة كبرى من منظومات الصواريخ المضادة للدبابات (كورنيت). وهي الصواريخ المحمولة على الكتف، التي أثبتت فاعليتها ودمرت الكثير من دبابات ميركافا الإسرائيلية في العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان”.