حسام كنفاني

انتقد السياسة الأميركية حيال طهران وأكد عدم جدوى العمل على إسقاط نظامها

لماذا منعت الإدارة الأميركية مقال مسؤول سابق عن تاريخ العلاقة بإيران؟ هذا السؤال يشغل الصحافة الأميركية في هذه الأيام، ولا سيما أن المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات المركزية كان سبق ونشر دراسة مطولة في الموضوع نفسه في أحد مراكز الأبحاث، وحصل على موافقة الإدارة الأميركية، رغم ما تحتويه هذه الدراسة من معلومات تفوق أهمية ما ورد في المقال.
الكثير من المحللين حمّلوا نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني مسؤولية منع المقال، وأوضحوا أن الأخير يحضّر الأرضية لتنفيذ ضربة عسكرية ضد طهران، وهو لا يريد الدخول في جدل في شأن طبيعة العلاقة بإيران، وعروض التفاوض السابقة، قبل تنفيذ مخططه. ويلمّح المحللون إلى مسؤولية ما سمّوها «بقايا المحافظين الجدد» في الإدارة الأميركية، ويشيرون بشكل خاص إلى ديفيد ورسمر في مكتب تشيني، وإليوت أبرامز من مجلس الأمن القومي.
ويؤكد المحللون أن أبرامز وورسمر هما وراء المطالبة بشن حرب على سوريا وإيران، ويصفونهما بأنهما «يكرهان السلام، مثلما يكره الشيطان الماء المقدسة»، ويقران بخيبة أملهما عندما لا تتم حرب حضّرا لها.
القصة بدأت عندما قدّم فلينت ليفيريت، المسؤول السابق في الاستخبارات المركزية، مقالاً كان يعد لنشره في صحيفة «نيويورك تايمز»، إلى مكتب مراجعة المنشورات في الاستخبارات الأميركية، على غرار كل المسؤولين السابقين المضطرين إلى عرض آرائهم على المكتب قبل نشرها، بذريعة «الخوف من تسريب معلومات سرية».
ورغم موافقة المكتب على المقال، فوجئ ليفيريت بتدخل مجلس الأمن القومي الأميركي لمنع موضوعه، المؤلف من ألف كلمة، ويحمل عنوان «التعامل مع طهران: تقويم الخيارات الدبلوماسية تجاه إيران».
ومثار استغراب ليفيريت، الذي يعمل في «مؤسسة أميركا الجديدة للدراسات»، أن مقاله هو جزء من دراسة مطولة، عبارة عن 30 صفحة، سبق ونشرها في «مؤسسة سنتشري للدراسات»، ووافقت عليها وكالة الاستخبارات من دون تعديل أي كلمة، وهو ما دأب عليه مكتب المطبوعات في الاستخبارات، لولا تدخل الإدارة الأميركية مباشرة.
ويشير ليفيريت إلى أن مكتب الاستخبارات أكد له أن مقاله لا يتضمن أي معلومة سرية، إلا أن عليهم الخضوع «لمعايير البيت البيض». ويكشف أن البيت الأبيض طلب منه إزالة فقرات من المقال، قبل السماح بنشرها، إلا أنه يؤكد أن هذه الفقرات سبق ونشرها في أكثر من دراسة ومقال.
وأوضح ليفيريت أن الفقرات المطلوب حذفها تتعلق بالتعاون بين الولايات المتحدة وإيران بعد هجمات 11 أيلول 2001، وعرض إيران للتفاوض على تسوية «البيعة الكبرى» في ربيع عام 2003.
وفي مقاربة لما كان موجوداً في الدراسة، ولما تريد الإدارة الأميركية حذفه من المقال، اتضح أن ليفيريت كان قد وجّه انتقادات عنيفة إلى أسلوب الإدارة الأميركية في التعامل مع إيران، وأشار في دراسته إلى أنه «نتيجة التردد الأميركي لتطوير مقاربة دبلوماسية للتعامل مع إيران خلال السنوات الخمس الماضية، فإن فرصة وصول الولايات المتحدة وحلفائها إلى مثل هذا التفاهم الاستراتيجي مع طهران تتضاءل».
وأشارت الدراسة إلى أن عرض «البيعة الكبرى»، الذي قدمته إيران في ربيع عام 2003، كان ربما سيتضمن صفقة لوقف تخصيب اليورانيوم، أو على الأقل السماح بمراقبة لصيقة لمنشآت التخصيب الإيرانية.
وتطرّقت الدراسة، وبطبيعة الحال المقال، إلى مخاطر شن هجوم على إيران، وأشارت إلى أن شكوكاً عديدة وُضعت أمام تنفيذ غارات على المنشآت النووية الإيرانية، سواء لجهة تأخير البرنامج النووي الإيراني، بسبب عدم وجود خرائط دقيقة تحدد مواقع الأهداف المحتملة، أو لأن أي هجوم سيسرّع البرنامج النووي الإيراني، وفي الوقت نفسه سيكون له تداعيات سلبية على مصالح أميركية أخرى في المنطقة.
كما تشير الدراسة إلى أن عملية تغيير النظام، سواء عبر عملية عسكرية أو دعم المعارضة، لن يكون لها أثرها الفعال على الجدول الزمني للتعامل مع التهديد الإيراني.
ويكشف ليفيريت أن مسؤولين إيرانيين أوضحوا في أكثر من مناسبة، خلال مباحثات دبلوماسية أو محادثات خاصة، أن إيران لن تقبل بأي قيود استراتيجية على تطوير بنيتها التحتية النووية من دون الحصول على ضمانات لأساس اهتماماتها الأمنية.
وأشارت الدراسة إلى التعاون الأميركي الإيراني في أفغانستان، ودعم طهران لزعماء الحرب في شمال أفغانستان وغربها خلال الحرب الأميركية عبر تسليحهم، مؤكداً أن لإيران دوراً حاسماً في تثبيت التسوية السياسية خلال مؤتمر بون في كانون الأول عام 2001.
وكشف ليفيريت أن الإدارة الأميركية رفضت خلال السنوات الأربع الماضية الدخول مع طهران في مفاوضات مباشرة بشأن برنامجها النووي. وأشار إلى رسالة أرسلتها إيران عبر قنوات دبلوماسية سويسرية عام 2003 تعرض التفاوض على كل الخلافات بينها وبين الولايات المتحدة، بينها المسألة النووية، موضحاً أن العرض حصل على موافقة كل القوى الأساسية في إيران، بينها مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي. إلا أن الإدارة الأميركية رفضت العرض، واحتجت لدى وزارة الخارجية السويسرية على نقل ورقة كهذه.
هذه المعلومات، غير الشائعة، لا تبدو مفيدة في المرحلة الحالية للإدارة الأميركية ومحافظيها الجدد، ولا سيما بعد صدور تقرير «بيكر ـــ هاملتون»، الذي يدعو إلى التفاوض مع طهران، وهو ما يحظى بالرفض نفسه، ما دامت واشنطن تحضّر لعقوبات في مرحلة أولى، قد تليها حرب يحلم بها تشيني وأبرامز وورسمر.




الأبيض طلب منه إزالة فقرات من المقال، قبل السماح بنشرها، إلا أنه يؤكد أن هذه الفقرات سبق ونشرها في أكثر من دراسة ومقال. والفقرات المطلوب حذفها تتعلق بالتعاون بين الولايات المتحدة وإيران بعد هجمات 11 أيلول 2001، وعرض إيران للتفاوض على تسوية «البيعة الكبرى» في ربيع عام 2003