strong>موسكو ــ الأخبار
«ثورة السوسن» التي قادها الرئيس القيرغيزستاني قورمان بيك باكييف في آذار من العام الماضي، انقلبت عليه، إذ يواجه ثورة «أوشحة حمراء»، تهدده بمصير سلفه عسكر آكايف، وتعمّق الانقسام بين الشمال والجنوب

استمرت تظاهرات الاحتجاج في العاصمة القيرغيزية بيشكيك، التي بدأت أول من أمس، بخروج 20 ألف متظاهر، ارتدى المئات منهم الأوشحة الحمراء، إلى الساحة الرئيسية في العاصمة، ونصبوا عشرات الخيام قرب دار الحكومة.
ويطالب المعتصمون باستقالة قورمان بيك باكييف ورئيس الحكومة فيليكس كولوف.
الجدير بالذكر أن زعماء المعارضة الحالية هم نشطاء «ثورة السوسن»، التي تزعّمها باكييف نفسه في شهر آذار من العام الماضي ضد عسكر آكايف، والتي أجبرته في نهاية الأمر على الاستقالة والهروب إلى روسيا.
وتتهم المعارضة، التي تضم أنصار الرئيس السابق آكايف وقوى كانت متحالفة سابقاً مع باكييف، الرئيس الحالي بنكث الوعود، التي أطلقها بعد انتخابه بتفكيك البنية السياسية في البلاد وإصلاحها.
وفي أول يوم من أعمال الاحتجاج، جرت الأمور بشكل هادئ. وحسب معلومات الشرطة، لم تتخذ المعارضة أي محاولات لاقتحام دار الحكومة أو إثارة الشغب. وهاجم الخطباء الرئيس ورئيس الحكومة، اللذين «سرقا الثورة، ولم ينفّذا تعهداتهما، التي أطلقاها خلال الانتخابات الأخيرة».
ويشير رجال المعارضة إلى أن باكييف لا يريد أن يقدم إلى البرلمان مشروع الدستور الجديد، الذي يعدّ حلاً وسطاً بين المعارضة، التي تريد أن تكون قرغيزستان دولة برلمانية، وبين السلطة، التي تؤيد النظام الرئاسي.
ويتهم هؤلاء رئيس الدولة بالتضييق على وسائل الإعلام المستقلة والمماطلة في إجراء الإصلاحات الاقتصادية وعدم رغبته في محاربة الفساد.
وتفيد الأنباء الواردة من بيشكيك عن سلسلة من المشاورات الحثيثة يقوم بها الآن ممثلو البعثات الدبلوماسية، ومنها الروسية، مع الرئيس ورئيس الحكومة وأركان المعارضة.
ويسعى الرئيس ورئيس الحكومة إلى استرضاء موسكو وتوضيح مواقفهما والظهور على القنوات التلفزيونية الروسية الحكومية قبل ظهورهم على التلفزيون القيرغيزي، في حين قام ممثلو المعارضة نهار الجمعة باقتحام مبنى التلفزيون القيرغيزي وطالبوا بظهورهم بشكل دوري على الشاشة الصغيرة.
وأعلنت المعارضة أن الحكومة ألغت في اللحظة الأخيرة، ومن دون توضيح، الإذن الذي كانت منحتها إياه للظهور على شاشة التلفزيون الرسمي، الذي أكد تلقيه «قراراً من الحكومة».
وقال المتحدث باسم «الحركة من أجل الإصلاحات»، أديل بايسالوف، «لقد تبلّغنا للتوّ أن الحكومة ألغت برنامجنا على التلفزيون. لا نعرف بعد الجهة التي أصدرت الأمر بالتحديد، لكن الواقع هو أن هذا البرنامج لن يذاع».
وتؤكد مصادر المعارضة، في محاولة لاستمالة روسيا إلى جانبها، قيام بوريس بيريزوفسكي، الروسي المطلوب للعدالة في موسكو والمقيم في لندن، بالتدخل في الأوضاع الراهنة. وتشير إلى قيامه بزيارة بيشكيك وإجرائه مباحثات مع ممثلي الرئاسة، فيما تشدد أوساط الرئيس على أن المباحثات تناولت مواضيع تجارية بحتة، وتتهم المعارضة بالتخطيط للقيام بانقلاب على السلطة وتلقيها الأموال لذلك من الخارج.
ومع ذلك، تتحدث المصادر الدبلوماسية في موسكو عن ميل روسي أكثر إلى رئيس الجمهورية، من دون قطع خيوط التواصل مع المعارضة.
ويرى مراقبون أن عاملاً رئيسياً يجمع بين قوى المعارضة، هو أن ممثليها جميعاً من الجزء الشمالي من البلاد، في حين يمثل الرئيس الحالي الجزء الجنوبي منها. ويشيرون إلى أن الحديث هنا يجري عن صدام جديد بين الشمال والجنوب في قيرغيزستان، اللذين تفصل بينهما جبال «فرغانه»، وتجعل منهما عالمين مختلفين.
ويتمتع الشمال، الذي يعيش فيه ممثلو القوميّتين القيرغيزية والروسية، برخاء نسبي، في حين يعشعش الفقر وتنتشر الأصولية الإسلامية في الجنوب، الذي يعيش فيه ممثلو القومية الأوزبكية.
والجنوبيون هم، الذين جاؤوا من مدينتي أوش وجلال آباد إلى العاصمة وقاموا بـ«ثورة السوسن» في آذار 2005، ضد آكايف الشمالي. واتهموه آنذاك بتجاهل أهل الجنوب وبالفساد والمحسوبية، وتوزيع الثروات على عشيرته وعائلته، وأخذوا عليه أن زوجته كانت تحكم فعلياً البلاد، حيث لا يتم تعيين أحد في منصب إلا بعد موافقتها، في حين مارس ابنه التجارة والأعمال على قدم وساق.
آنذاك، جاء شباب الجنوب المهمّش واقتحموا دار الحكومة ونهبوا العاصمة وأصبح باكييف (ممثل الجنوب) رئيساً للجمهورية، وكولوف (صنيعة الشماليين الأكثر شعبية في العاصمة) رئيساً للحكومة.
ويبدو أن ثنائي باكييف وكولوف لم يفلح في التنسيق والتغلّب على التناحر بين الشمال والجنوب. وبدلاً من ذلك دفع باكييف، السياسي المحنك، برئيس الحكومة إلى حافة التهميش السياسي، وأصبح الشماليون يفقدون مواقعهم الواحد تلو الآخر، ومعها تأثيرهم على الأوضاع في البلاد.
وهكذا، وبعد مرور عام ونصف فقط على الثورة شبه السلمية، التي أدت إلى استقالة آكايف، تنقسم البلاد من جديد إلى قسمين: شمالي وجنوبي.
ويوجه الشماليون الآن التهم نفسها، التي وجهوها إلى الرئيس السابق، إلى الرئيس الحالي وعائلته، التي فاقت برأيهم عائلة سلفه فساداً.
ويشير نواب البرلمان إلى أن أهم مجالات التجارة المربحة، التي كانت تسيطر عليها عائلة الرئيس السابق، تحوّلت إلى أيدي أقارب الرئيس الجديد، ومن أهمها: الاتصالات الخلوية، ومصانع الإسمنت، وتموين القاعدة العسكرية الجوية الأميركية في مدينة ماناس القيرغيزية بالمحروقات والمواد الاستهلاكية.
جدير بالذكر أن جمهورية قرغيزستان الجبلية الفقيرة أصبحت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ونيلها الاستقلال عام 1991 حلبة صراع على النفوذ بين اللاعبين الكبار في منطقة آسيا الوسطى: الولايات المتحدة والصين وروسيا. وحاولت كل واحدة منها استغلال الأوضاع المادية الصعبة في البلاد لمصلحتها.