واشنطن ــ محمد دلبح
هل تكون موازين القوى في الكونغرس العاشر بعد المئة، الذي يفتتح أعماله في الثالث من كانون الثاني 2007، مختلفة، بعد الانتخابات النصفية التي تنطلق اليوم؟ هذا ما ترجحه استطلاعات الرأي التي تشير إلى فوز الديموقراطيين في مجلس النواب، بينما يظل فوزهم في مجلس الشيوخ موضع شك، بسبب المنافسة الحادة على ثمانية مقاعد فقط يتحتم على الديموقراطيين الفوز بستة منها لتأمين الغالبية

يبدو أن انخراط الرئيس الأميركي جورج بوش مباشرة في الحملات الانتخابية لمرشحي حزبه «الجمهوري» في الولايات الأميركية المختلفة مدافعاً عن سيطرة حزبه على الكونغرس، ربما تكون آخر معاركه الانتخابية وربما نهاية لمشواره السياسي؛ فهزيمة الجمهوريين ستعكس معارضة الأميركيين لسياسته، وبخاصة في العراق، وتسليم السلطة التشريعية إلى الديموقراطيين، بالرغم من عدم توقع تغييرات جوهرية في السياسة الخارجية في حالة سيطرة الديموقراطيين على الكونغرس، وذلك بالنظر إلى سيطرة الجناح التنفيذي على هذه السياسة ومحدودية البدائل المتاحة أمام الحزبين الديموقراطي والجمهوري، وخاصة في قضية العراق.
ويتوقع خبراء الانتخابات الأميركية، استناداً إلى أحدث استطلاعات الراي، أن تؤدي السياسة الخارجية، وتحديداً ما يتعلق بحرب العراق، دوراً مهماً في تحديد توجهات الناخب الأميركي اليوم. فالحرب التي لا تزال تحصد أرواح جنود الاحتلال الأميركي إلى جانب قتل العشرات من العراقيين يومياً وتحميل الاقتصاد الأميركي أعباءّ متزايدة، تؤثر سلباً على مخصصات برامج التنمية الاجتماعية والتعليم والصحة في الولايات المتحدة، قد تدفع غالبية الناخبين الأميركيين هذه المرة، وبعدما استنفد الجمهوريون كل حيلهم وأكاذيبهم في تبرير حرب لم تكن ضرورية، إلى التغيير بإيصال الديموقراطيين إلى السيطرة على الكونغرس.
ويستند الخبراء في هذا السياق إلى حالة عدم الرضا العام عن الحرب في العراق، بشكل خاص، والسياسة الأميركية في «الحرب على الإرهاب» بشكل عام، وخاصة بعدما كشفت تقارير الاستخبارات الأميركية فشل الحرب على العراق في تقليل خطر «الإرهاب»، بل انها ساهمت في تشويه صورة الولايات المتحدة في العالم.
وكشف استطلاع للرأي أجراه مركز «بيو للناس والصحافة» أن نسبة المعنيين بالقضايا الأمنية وقضايا السياسة الخارجية تفوق ضعف نسبة المهتمين بالقضايا الاقتصادية. كما ذكرت معظم الاستطلاعات أن نحو 60 في المئة من الأميركيين غير راضين عن الحرب في العراق وأنهم يفضلون استراتيجية جديدة في شأن هذا البلد. وقد أظهر استطلاع «غالوب» أن سبعة في المئة من الأميركيين فقط يريدون الاستمرار في مسار بوش الحالي في العراق.
الأولوية للعراق
حافظت مسألة الحرب على العراق على أوّليتها على قائمة القضايا التي شغلت اهتمام الكونغرس خلال دورته الـ109، تحت تأثير التقارير المتتالية حول العنف، وتصاعد الصراع الطائفي، بالإضافة إلى تزايد عدد الضحايا وارتفاع حجم التكلفة الاقتصادية والبشرية لتلك الحرب.
ومن ثم، أصبحت قضية حرب العراق أحد محاور ضعف الجمهوريين والهجوم عليهم داخل الكونغرس بسبب تأييدهم القوي للرئيس بوش في تلك الحرب. واتجه الجمهوريون إلى خلق مساحة فاصلة بينهم وبين بوش في ما يتعلق بهذه القضية. ونأى قسم كبير منهم بأنفسهم أخيراً عن بوش وأبعدوه عن مناطقهم الانتخابية، فيما يكافحون للاحتفاظ بمقاعدهم. وفي المقابل، رحّب آخرون ببوش وقدرته الهائلة على جمع أموال التبرعات ورسائله الانتخابية البسيطة وبصماته الفعالة في الحملات الانتخابية التي طالما برهن عليها.
وانقسم الديموقراطيون، الذين يتبنّون توجّهات يسار الوسط حول الاستراتيجيات التي يجب تطبيقها في العراق، بين خطط تتراوح بين تطبيق اللامركزية إلى إعادة نشر القوات العسكرية.
وسعى الديموقراطيون إلى كشف ونقد المزاعم والمبررات الخاطئة التي قدمتها إدارة بوش لحربها على العراق، وفشل خططها لإعادة إعماره، والفساد الذي استشرى هناك وانزلاق البلد نحو الحرب الأهلية.
وسيؤدي انتصار الديموقراطيين الى تشديد المعارضة لسياسات بوش الخاصة بالعراق، فيما ستقوض بشدة من قدرته على الدفع قدماً بأجندته التشريعية التي تتضمن دوام استقطاعاته الضريبية التي تمثل أبرز معالم سياسته الداخلية.
ويشعر الجمهوريون بالانزعاج من جراء استطلاعات الرأي التي قال فيها الناخبون إنهم يثقون بالديموقراطيين بنفس قدر ثقتهم بالجمهوريين في مجال «مكافحة الإرهاب» وإنهم يثقون بالديموقراطيين بقدر أكبر في مجال الاقتصاد.
صلاحيات القائد الأعلى
السؤال الذي يطرحه خبراء السياسة الخارجية هو ما إذا كان الديموقراطيون قادرين، في حال سيطرتهم على الكونغرس، أن يحدثوا تغييراً جوهرياً على السياسة الخارجية الأميركية.
وحتى الآن يبدو أن أحداً لا يقترح أن ذلك سيؤدي إلى سحب فوري للقوات الأميركية من العراق أو حتى تغييراً جوهرياً في التكتيكات. إذ إن بوش سيظل ممسكاً بصلاحيته كقائد أعلى للقوات الأميركية المسلحة بغض النظر عن الحزب المسيطر في الكونغرس. وحتى الآن، فإن الخيارات السياسية في شأن العراق تبدو أنها ستتراوح ما بين السيئ والأسوأ: زيادة عدد القوات، سحب بعض القوات ومواصلة المسار الحالي.
غير أن محللين يقولون إنه يمكن لبوش أن يتوقع تصاعد الرفض لسياسته في العراق وضغطاً أكبر من أجل التغيير من قبل أعضاء الكونغرس من الحزبين ومن الرأي العام الأميركي وخاصة في حال زيادة تدهور الوضع في هذا البلد.
وأظهرت نتائج استطلاع للرأي أجرته شبكة التلفزيون الأميركية «إي بي سي» وصحيفة «واشنطن بوست» أن 73 في المئة من الأميركيين قالوا إنهم سيصوّتون، في ما يخص العراق، للديموقراطيين، ما يشير إلى أن العراق يشكل القضية الأولى في اهتماماتهم وتتقدم على الاقتصاد والوظيفة والهجرة غير الشرعية وحتى «مكافحة الإرهاب». وقال 53 في المئة إنهم يعتقدون أن الجمهوريين لا يستحقون أن يعاد انتخابهم.
ومن بين التوصيات التي قد يتبنّاها أعضاء الكونغرس في شأن العراق ما قد تصدره المجموعة الدراسية برئاسة جيمس بيكر ولي هاملتون، التي يتوقع أن تنشر قبل نهاية العام الجاري.
ويتهم بوش الديموقراطيين بأنهم لا يملكون أي خطة لتحقيق النصر في العراق الذي يعتبره الجبهة المركزية «للحرب على الإرهاب». ويرى بوش أن «الطرح الديموقراطي يتلخص في ما يلي: الإرهابيون ينتصرون وأميركا تخسر. هذا هو رهان الانتخابات».
ويتهم الديموقراطيون، بدورهم، حكومة بوش بأنها لم تعد تعرف ماذا تفعل وتنكر خطورة الوضع. وقال العضو الديموقراطي البارز في لجنتي القوات المسلحة والشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ كارل ليفين «على الأميركيين أن يقرروا في الانتخابات ما إذا كانوا يريدون تصحيح توجههم في العراق أو الاحتفاظ بالقيادة».
محدودية بدائل الديموقراطيين
يشير الديموقراطيون إلى أنه في حالة حصولهم على الغالبية في أحد المجلسين، أو كلاهما، ومن ثم الفوز برئاسة لجنة الشؤون الخارجية أو الاستخبارات أو غيرهما من اللجان، سيشنون حملة لاستعادة الرقابة على أنشطة السلطة التنفيذية التي سيطرت على السياسة الخارجية الأميركية خلال السنوات الخمس الماضية. ويقولون بشكل خاص إنهم سيبحثون استخدام الإدارة لسلطة الاستخبارات قبل الحرب، وقضايا مثل التمويل وإعادة الإعمار في العراق ودور سلطة «الائتلاف المؤقت» في تلك العمليات، كما سيكونون أكثر تشدداً في عمليات التحقيق وفي مواجهة الرئيس.
والأمر الآخر الذي يرتبط بالحسم في انتخابات الكونغرس اليوم هو بدء حملة الانتخابات الرئاسية للعام 2008، التي تبدأ رسمياً في اليوم التالي لظهور نتائج انتخابات الكونغرس النصفية، وستكون عاملاً مساعداً للتغيير. والجمهوريون، الذي نأوا بأنفسهم في الحملة الحالية عن الرئيس بوش، قد يجدون أنفسهم ينأون بشكل أكبر عنه إذا ما أصبح الوضع في العراق خارجاً عن السيطرة بشكل أكبر مما هو عليه الآن.
ويتبنّى عدد من الأعضاء الجمهوريين النافذين في الكونغرس بقيادة رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ جون وارنر الدعوة إلى تبني نهج جديد إذا ما استمر تدهور الوضع في العراق خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، فيما قال آخرون بضرورة إقالة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد.
التخوفات من الخسارة قائمة
غير أن هناك من يتخوّف حتى الآن من حدوث مفاجآت في الانتخابات، فالناخبون المناهضون للحرب على العراق ربما يشعرون بخيبة الأمل بعد الانتخابات، إذ لا يملك الديموقراطيون الكثير من التأثير على بوش في شأن السياسة تجاه العراق، فقد يحاولون خفض تمويل الحرب وهذه مسألة قد لا تلقى دعماً واسعاً من كافة الديموقراطيين في الكونغرس، فيما سيقوم الجمهوريون بإدانة مثل هذه الخطوة بالقول إنها تعتبر كمن «يكسر ظهر الجيش في المعركة».
وقال الباحث في الشؤون الرئاسية في معهد «بروكينغز» ستيفن هيس إن فترة نقاش الأميركيين حول العراق قد تشهد تحولاً طوال العامين المقبلين وترغم الرئيس على إعادة النظر في نهجه.
... إيران
كما ان فوز الديموقراطيين يثير أيضاً التساؤلات حول سياسة حكومة بوش تجاه إيران، في وقت يعلن العديد من الأعضاء الديموقراطيين عن دعمهم القوي لإسرائيل ويدافعون عن عدوان يمكن لتل أبيب أن تشنه على المواقع والمنشآت النووية الإيرانية.
وقال كينيث بولاك، الباحث في معهد «بروكينغز»، والذي سبق له العمل في «وكالة الاستخبارات المركزية» الأميركية ومجلس الأمن القومي و«معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط» التابع للوبي الإسرائيلي، «أعتقد أن من الواضح أن المزاج السائد لدى قيادة الديموقراطيين لا يؤيد حرباً مع إيران وأعتقد أن تلك الأصوات داخل حكومة بوش وخارجها، التي تدعو إلى عمليات عسكرية ضد إيران، ستواجه وقتاً أصعب إذا سيطر الديموقراطيون على الكونغرس».