باريس ــ بسّام الطيارة
أسئلة عديدة تتراكم أمام الناخب الفرنسي بانتظار موعد انتخابات الرئاسة في منتصف السنة المقبلة. سؤالان يتصدران حيرة الناخب: من سيحمل راية اليسار؟ ومن سيمثل اليمين التقليدي؟
يبدو من النتائج الأولية للانتخابات داخل الحزب الاشتراكي أن سيغولين رويال هي الأوفر حظاً لقطف البطاقة الاشتراكية؛ فالنتائج غير الرسمية تفيد بتقدم رويال على منافسيها دومينيك ستروس خان ولوران فابيوس، إلا أنه يبدو أن فارق الأصوات لن يعرف قبل ساعة متأخرة من الليل.
ورغم ذلك، أكدت بعض المصادر في الحزب، لـ«الأخبار»، أن الأصوات التي صبت في مصلحة رويال «تقارب الـ٥٠ في المئة الضرورية للمرور من الدورة الأولى».
وإذا صحت هذه التوقعات، تكون رويال قد ربحت رهانها، ووضعت يدها على آلة الحزب لتفعيل حملتها التي لا بد أن تأخذ «طابعاً أكثر حدة مع نهاية المرحلة التوفيقية»، التي نجحت خلالها المرشحة بكسب أصوات من دون الغوص في عمق المسائل الأساسية ومحاولة فرض برنامج واضح، مستفيدة من الـ«كاريزما» التي رافقت ترشحها.
ومن المنتظر أن تحاول من الآن وصاعداً التوفيق بين توجهات اليسار الليبرالي أو المسمى بـ«يسار الكافيار»، التي يمثلها شتروس خان، وتوجهات القواعد التقليدية للحزب، الذي لم يستطيع فابيوس استمالتها، ضمن خطة لا تبعد عنها ناخبين من خارج الحزب. إذ يجب التذكير أن المشاركين في الانتخابات أمس لا يتجاوز عددهم ٢١٩ ألف «حامل بطاقة الحزب». ولكن من الآن وحتى شهر أيار، فأمامها مهمة كسب تأييد من هم خارج الحزب.
ويتفق الجميع على أن الخطر الذي يتربص برويال موجود على يسارها، فهي تستطيع بسهولة إيجاد أرضية مشتركة مع شتروس خان، من دون أي صعوبة تذكر، إلا أنها إذا لم «تستطع إرضاء فابيوس» من خلال برنامج ذي لون «يساري قوي»، فمن المحتمل، بحسب بعض المراقبين، أن يقع فابيوس في إغراء اليسار، الذي يستميله منذ مدة للابتعاد عن الحزب الاشتراكي وركوب موجة «يسار در»، كما فعل خلال الاستفتاء على الدستور الأوروبي...وربح رهانه.
ويقول البعض إن جان بيير شوفينمان انتظر طويلاً قبل أن يعلن ترشحه، أملاً في أن «يخرج فابيوس من لعبة الحزب والانتخابات الداخلية ويعلن ترشحه من خارج الحزب». إلا أن مقرباً من فابيوس أكد، لـ«الأخبار»، أن رئيس الوزراء السابق «مقتنع بأنه لا يمكن ربح انتخابات الرئاسة من دون الحزب وآلته الانتخابية».
ومن هنا، فمن المتوقع أن تحاول رويال الانفتاح على يسار الحزب والتقرب من فابيوس من خلال تطعيم «آلتها الانتخابية بمقربين منه»، لطمأنته، مع إمكانية وعده بمنصب كبير، مثل رئاسة الوزراء، التي سبق له وخبرها في عهد ميتران.
وإذا شدد الحزب بقيادة رويال توجهه اليساري وابتعد قليلاً عن الطروحات «الاشتراكية الديموقراطية»، فإن ذلك يسهل مهمة المرشح اليميني، وخصوصاً إذا كان نيكولا ساركوزي.
إلا أن ترشيح ساركوزي لا يزال غير مضمون، إذ انتقلت حرارة الانتخابات في المعسكر الاشتراكي لتؤجج الصراع في معسكر اليمين، وتكشف تسارع النزاعات الخفية، التي لا تزال تقف عقبة أمام نزول ساركوزي إلى حلبة منافسة رويال.
وقد لوحظ أن الرئيس جاك شيراك قد زاد من نشاطه في الأسابيع القليلة الماضية بهدف دحض ما يقال عن تراجع صحته وعدم أهليته للترشح.
وكان موقع مجلة «لو نوفيل أوبسرفاتور» القريبة من الحزب الاشتراكي قد نشر أول من أمس مقابلة مع زوجة شيراك، برناديت، تحدثت فيها عن إمكان أن يترشح زوجها لولاية ثالثة. وانتقدت التسريبات، التي تتحدث بشكل سلبي عن صحة الرئيس ووصفتها بأنها «مشينة».
ورأى المراقبون أن حديث «السيدة الأولى» هو «أول إشارة جدية تصدر من مقرب من الرئيس» حول إمكان دخوله معترك الحملة الرئاسية، بما يعنيه ذلك من «خلط أوراق اليمين» وعلى الأخص حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية»، الذي كان يعدّ حزب الرئيس قبل أن يضع ساركوزي يده عليه.
ومن هنا، يبدو أن شيراك لن يرضى «إلا بأن يكون له اليد الطولى في تسمية مرشح اليمين» حتى ولو تطلب منه الأمر الترشح مرة ثالثة، كما تهمس بعض المصادر المقربة منه.
وهكذا، يمكن فهم تصريح رئيس الوزراء دومينيك دوفيلبان الأخير بأن «اليمين ليس بحاجة لانتخابات داخلية مثلما حصل لدى الاشتراكيين». ورغم أنه أعلن مراراً عدم رغبته بالترشح، إلا أنه قد يدعم بشكل علني ترشح وزيرة الدفاع ميشال إليو ماري، التي بدأت بتأليف لجان انتخابية ونواد سياسية بدعم من أقطاب اشتراكيين مثل رئيس مجلس النواب جان لوي دوبري وبعض المقربين من ألان جوبيه.
وإذا حصلت وزيرة الدفاع على «بركة شيراك العلنية»، إضافة إلى دعم جوبيه ودوفيلبان، فستكون الطريق معبدة أمامها لمجابهة ساركوزي. وقد تصدت أمس لطروحات ساركوزي حول «شباب الضواحي»، أمام مؤتمر الحزب العام، وجابهت صفارات مؤيديه بشجاعة أكسبتها تقدير عديد من «رجال الحزب».
ولا يستبعد البعض أن «تخرق إليو ماري» الدورة الأولى، إذ إن ساركوزي في هذه الحالة يضطر لتلوين خطابه يمينياً ويصبح منافساً للوبن ويترك الوسط لإليو ماري لتتنافس مع رويال.