دمشق ــ ماجد عزام
الاتفاق الفلسطيني على حكومة لا يعني بالضرورة إغلاق الباب أمام التوترات الداخلية، فملفات كثيرة لا تزال مطروحة للنقاش، على رأسها إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، التي تُعَدُّ «لغماً» جديداً قد يفتح الباب على نقاشات وخلافات جديدة

تعيش الساحة الفلسطينية مرحلة انتقالية مهمة وحساسة جداً، يتوقع أن تؤدي إلى تنفيس الاحتقان وإعادة ترتيب الساحة الداخلية ورفع الحصار عن الشعب الفلسطيني، استعداداً للمرحلة المقبلة، التي يتوقع أن تأتي بعد سنة أو سنتين، لتشهد إعلاناً رسمياً لوفاة عملية التسوية، الميتة اكلينيكياً منذ فترة، وعودة الصراع إلى صورته الأساسية؛ صراع بين المشروع الوطني الفلسطيني وإسرائيلعديدة هي الملفات المطروحة للنقاش على الساحة الفلسطينية. ورغم أن ملف حكومة الوحدة الوطنية مستحوذ على نصيب الأسد من الاهتمام والتغطية الإعلامية، إلا أن ثمة ملفات أخرى مهمة مثل إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية والعودة إلى الهدنة أو التهدئة بين المقاومة وإسرائيل، إضافة إلى تبادل الأسرى.
مقاربة قادة الفصائل الفلسطينية المقيمين في دمشق لهذه الملفات قد تختلف، إلا أن ثمة «إجماعاً» على ضرورة التهدئة الداخلية والمضي قدماً في الحوار الفلسطيني وتنفيس الاحتقان الداخلي، ورص كل الصفوف في مواجهة المشروع الإسرائيلي.
ويستهل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، موسى أبو مرزوق، تقويمه للتطورات الأخيرة بالإشارة إلى أن حركته «قدّمت تنازلاً كبيراً وغير مسبوق، لا في المنطقة العربية ولا حتى في العديد من الدول الديموقراطية، وتمثل في تنازلها عن السلطة أو جزء كبير منها بمحض إرادتها».
ويشدد أبو مرزوق على أن حركته «لن تقدم تنازل في الشق أو الجانب السياسي، أي إنها لن تعترف بإسرائيل، ولن تعترف بشروط اللجنة الرباعية»، مشيراً إلى أنه «من غير المنطقي أن تطالب حركة بالاعتراف بدولة قائمة على أرض الواقع، وهذا الأمر يسري أيضاً على السلطة الفلسطينية، بصفتها ليست دولة، بل أقرب إلى إدارة ذاتية موسعة».
ويشير أبو مرزوق إلى أن «وثيقة الوفاق الوطني» تعطي صلاحية للرئيس الفلسطيني محمود عباس للإشراف مباشرة على الملف السياسي، ويعود بالحصيلة إلى المؤسسات الشرعية والدستورية الفلسطينية، و«حتى نصل إلى حصيلة سياسية أو ما يمكن عرضه على المؤسسات، فإن كل الفصائل والقوى ستحتفظ بمواقفها».
وعلى عكس ما تحاول الرئاسة الفلسطيني تمريره، ينفي أبو مرزوق ارتباط تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بملف الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط. كذلك لا يربط ملف الحكومة بملف إعادة بناء منظمة التحرير، مشيراً إلى أن «هذا الملف مطروح طوال الوقت وهو كان عنواناً للعديد من الحوارات والنقاشات السابقة، ومن الطبيعي أن ينقاش في هذا الوقت، ومن الطبيعي أيضا أن يُشرع في إعادة بناء منظمة التحرير في أسرع وقت ممكن».
مقاربة مختلفة بعض الشيء يقدّمها عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ماهر الطاهر، الذي يرى أن «المفصل الطبيعي للنقاش هو إعادة بناء منظمة التحرير كمرجعية عليا وإطار سياسي جامع للفلسطينين، ولا نفهم لماذا يتم تعطيل منهجي ودؤوب ومستمر لهذا الأمر».
وعن «التهدئة» أو «الهدنة»، يعيد الطاهر تأكيد موقف الجبهة، الذي كان متحفظاً على التهدئة الثانية، التي أعلنت في آذار 2005 من القاهرة، ويصر على أن تكون التهدئة متبادلة، وليست من طرف واحد، «على ألا يعني ذلك الانتقاص من حق المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال».
حركة «الجهاد الاسلامي»، تقدّم رؤية أكثر تشدداً من الملفات المطروحة، مرتكزة على رفضها «المشاركة في الحكومة الفلسطينية المقبلة أو موقفها السياسي، لأنها ترى أن الانتخابات، وكذلك الحكومة، كما السلطة الفلسطينية بكل مؤسساتها، تخضع لمرجعية أوسلو، الاتفاق، الذي رفضته الحركة، ولا تزال، وبالتالي ليس من المنطق أن ترفض الاتفاق ثم تقبل بإفرازاته والمؤسسات التي انبثقت منه»، كما يقول مصدر قيادي في الحركة.
غير أن المصدر نفسه يستطرد قائلاً إن الحركة «لن تكون حجر عثرة في طريق تشكيل الحكومة، وستدعم كل الخطوات التي تقوم بها وتستهدف تحقيق المصلحة الوطنية الفلسطينية، وخصوصاً في الملفات الداخلية، مثل محاربة الفساد ووقف الهدر المالي ووقف الفلتان والفوضى الأمنية، وهي الأمور التي سببتها أجهزة وأطر تابعة للسلطة الفلسطينية».
وتعطي «الجهاد» أهمية لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، إلا أن المصدر القيادي «لا يبدو متفائلاً، لأن ثمة أطرافاً فلسطينية، وخصوصاً في حركة فتح ومحيط الرئيس محمود عباس، ترى لا مصلحة لها في إعادة بناء منظمة التحرير وفق أسس وطنية سلمية، لأن موازين القوى في الشارع الفلسطيني لا تسمح لهذه الأطراف بالهيمنة على المنظمة وتمرير القرارات التي تراها متناسبة مع مصالحها ورؤيتها السياسية».
وتعترض «الجهاد» بشدة على طرح فكرة الهدنة في ظل الاعتداءات الإسرائيلية، وخصوصاً أن «التجربة السابقة لا تشجع على تكرار الأمر». «لكن إذا ما طرحت هدنة متبادلة، وتشمل وقف اسرائيل للاجتياحات والاغتيالات، فإن الحركة ستدرس الأمر وتتخذ القرار المناسب».
أمام ما يقوله ممثلو الفصائل، يشير مصدر فلسطيني مطلع جيداً على التطورات والأحداث، ولا سيما ملف إحياء منظمة التحرير، إلى أن محمود عباس «يتحدث عن تفعيل، لا عن إعادة إحياء منظمة التحرير، عبر ملء المناصب الشاغرة مع الاحتفاظ بموازين القوى الحالية في المؤسسات الفلسطينية، وخصوصاً في اللجنة التنفيذية للمنظمة».
ويضيف المصدر أن «الجميع يتصرف على أساس أن السنتين المقبلتين ستشهدان انفراجاً معيشياً وإنسانياً واجتماعياً، لكن ليس انفراجاً سياسياً، وهو الأمر الذي يجبر الجميع على اللجوء إلى انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة ستؤدي إلى تغيير كبير وجذري في موازين القوى السياسية والحزبية الفلسطينية».