واشنطن ــ محمد دلبح
تجد حكومة الرئيس الأميركي جورج بوش نفسها في وضع محرج إزاء «عجزها» عن الاستمرار في أداء دور حاسم في لبنان، على رغم محاولة حلفائها اللبنانيين الاستفادة من الوضع الذي أسفر عن اغتيال وزير الصناعة بيار الجميل، فالبيت الأبيض يغلّب مصلحته في إيجاد مخرج من المأزق العراقي على كل ما عداها من القضايا، وهو ما يدرجه في مقدمة أولوياته في الوقت الراهن، الأمر الذي يدفعه إلى التعامل مع سوريا وإيران وتقديم بعض الإغراءات في سبيل نيل دعمهما في العراق.
ويواجه بوش دعوات إلى فتح حوار على مستوى عال مع سوريا كجزء من استراتيجيا الخروج من العراق. ويقود هذه الدعوات وزير الخارجية الأميركية الأسبق جيمس بيكر، الذي يتشارك مع النائب الديموقراطي السابق لي هاملتون رئاسة المجموعة الدراسية حول العراق، التي ينتظر أن تصدر تقريرها في شهر كانون الأول المقبل.
وفي الوقت الذي تذهب العديد من المؤشرات إلى استجابة البيت الأبيض لتوصيات مجموعة بيكر ــ هاملتون، مثل قرار بوش لقاء رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي في العاصمة الأردنية عمان الأسبوع المقبل وزيارة نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني السعودية لإشراكها في صيغة تنقذ الولايات المتحدة من المستنقع العراقي، تواصل العناصر المناهضة لسوريا داخل البيت الأبيض ووزارة الدفاع (البنتاغون) التمسك باستراتيجيا تغيير النظام الحاكم في دمشق.
وقال المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون، إيفو دالدر، إن حكومة بوش تبدو أنها تحاول استباق توصيات مجموعة بيكر ــ هاملتون في شأن الحوار مع سوريا وإيران.
وكان مسؤولون في مجلس الأمن القومي، بينهم نائب مستشار بوش للأمن القومي إليوت أبرامز، قد اجتمعوا في تشرين الأول الماضي مع ممثلين عن «جبهة الخلاص» السورية، التي تضم النائب السابق للرئيس السوري عبد الحليم خدام وجماعة «الإخوان المسلمين» في سوريا وبعض الليبراليين، ودعوهم إلى فتح مكتب تمثيلي لهم في واشنطن. وتقول مصادر مطلعة ان أبرامز قدم عروضاً لم يعلن ماهيتها إلى خدام نفسه.
في المقابل، يرى مسؤولون وخبراء أميركيون أن اغتيال الجميل قد يعزز وجهة نظر التيار المتطرف في حكومة بوش، الذي يتبنى سياسة تغيير النظام في سوريا لا التفاوض معه.
وفيما قال الخبير الأميركي في الشؤون السورية جوشوا لانديس إن «جماعة البيت الأبيض يكسبون في هذا الشأن وستكون هناك دعوات إلى الحرب في أوساط الحكومة (الأميركية) في الاتجاه الذي ستسلكه»، اعتبر مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية أنه «من المؤكد أن هذا سيكون له تأثير سلبي على من يعتقد بإمكانية فتح الحوار مع السوريين وسيجعلهم يذعنون لتقديم تنازلات».
ويعتقد محللون أن السرعة التي قررت فيها الحكومة السورية الانفتاح الكامل على حكومة المالكي بإرسال وزير الخارجية وليد المعلم إلى بغداد الاثنين الماضي والاعتراف بـ«شرعية» النظام السياسي الحالي في العراق، عبر إقامة علاقات دبلوماسية معه، قد يلقي بظلال سلبية على مشروع البيت الأبيض في لبنان ويربك تحركات حلفائه اللبنانيين، وقد يؤدي إلى أن يكون لبنان بكامله ضحية لتوتر العلاقات السورية ــ الأميركية. وقال لانديس «إنها ستؤدي إلى تمزيق لبنان»، مشيراً إلى أن ذلك سيكون بمثابة نهاية المشروع الأميركي.
لذلك، تعتقد جماعة التيار المتطرف في حكومة بوش بأنه من الأفضل التركيز على زعزعة استقرار النظام السوري باعتباره الهدف الأسهل بدلاً من إيران. وقال مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى «إنهم يعتقدون بأن سوريا هدف سهل، وأن إطاحة (الرئيس السوري بشار) الأسد تساعد لبنان وإسرائيل وتبعث برسالة إلى (الرئيس الإيراني محمود) أحمدي نجاد».
وأعرب المسؤول نفسه عن شكوكه وتردده في احتمالات إطاحة الأسد والمنافع المفترض تحققها من ذلك. وقال مسؤول استخباري أميركي إن الوضع في العراق قد أصبح على العكس تماماً مما كانت تدّعيه جماعة التيار المتطرف التي تنتمي إلى المحافظين الجدد، مضيفاً أن جماعة «الإخوان المسلمين» في سوريا ستكون الرابح الأكبر في حال إطاحة نظام الحكم في دمشق، وهو ما قد يعزز، بحسب رأيه، العداء لإسرائيل والولايات المتحدة. وأشار المسؤول نفسه إلى زيادة القوة السياسية لجماعات «الإخوان المسلمين» في العراق ومصر ولبنان وفلسطين. غير أن لانديس أكد أن الحكومة الأميركية تمضي قدماً في الحوار مع جماعة «الإخوان المسلمين» السورية.