بغداد ــ «الاخبار»
غول الفقر بات يلاحق آلاف العائلات العراقية، بعدما فقدت معيلها أو مسكنها أو عملها جرّاء اعمال العنف المتزايدة في انحاء البلاد.
وتقول المواطنة فاطمة جاسم «فقدت زوجي وبيتي، بعدما هددنا مجهولون بالنزوح من دارنا، ولم يمهلونا حتى نجد مكاناً بديلاً، فهجموا علينا في 24 آب الماضي واقتادوا زوجي، الذي عثر على جثته في الليلة التالية». وتضيف «حاولت مراراً أن أعمل، لكني فشلت في إيجاد عمل مناسب».
وتقول رئيسة لجنة المرأة والأسرة والطفولة في مجلس النواب النائبة سميرة الموسوي «إن الأوضاع في العراق تنذر بأن هناك جيوشاً من المواطنين تحت خط الفقر». وتضيف: «إن الأوضاع المتردية وغير المستقرة في العراق أفرزت أنواعاً كثيرة من الأسر، منها الأسر المهجرة والمرحّلة قسراً، وأسر ضحايا الإرهاب وأعمال العنف، التي خلّفت آلاف الأرامل والأيتام».
ويقول المواطن عبد الله شراد (60عاماً) «إن ما جرى علينا نحن العراقيين لم تره أمّة من قبل، فمن الحروب إلى الحصار والاحتلال والإرهاب... ففي الحرب مع إيران فقدت ولدي فاضل، ولم يبق عندي غير عبد الرحمن، إلّا أنّ يد الإرهاب اختطفته وتركتنا نحن العجزة نعيش البؤس والشقاء والحسرة على حظنا في هذه الدنيا». ويضيف «وضعنا المعيشي يسير من سيئ الى أسوأ، وليس لنا مردود مالي سوى منحة الرعاية الاجتماعية التي تتبخر فرحتها بإيفاء اول دائن».
وتوضح نورا طارق (طالبة جامعية) مأساتها، قائلاً «إن الدنيا ضاقت في صدري ولم أعد أجد فيها شيئاً جميلاً». وتضيف «استشهد أبي قبل ثلاثة أشهر في انفجار عبوة ناسفة على طريق مطار بغداد الدولي، وتركني أنا وأمي وأخي الصغير لمواجهة مصاعب الحياة».
وتشير بعض الإحصاءات إلى أن عدد الأرامل في العراق يتزايد بنحو طردي ومخيف مع ازدياد وتيرة العنف. وتبين الإحصاءات أن أكثر من 90 امرأة تترمل يومياً، إلا أن هذه الإحصاءات لا يعوّل عليها كثيراً إذا ما أضيفت إليها جرائم القتل الخفية التي يتعذّر تسجيلها.
وترى وكيلة وزارة المهجرين والمهاجرين حمدية أحمد نجف «إن الأوضاع الاستثنائية التي يعيشها العراق أبرزت على الساحة ربع مليون نازح عراقي جرّاء العنف الطائفي والعرقي». وكشفت «ان عدد العراقيين الذين فرّوا من منازلهم ومناطقهم وسجلوا أسماءهم لدى الحكومة بصفتهم نازحين خلال الشهرين الماضيين بلغ نحو 80 ألفاً، وبهذا يصل عددهم الإجمالي خلال سبعة أشهر من العنف الطائفي الى ربع مليون شخص».
وتوضح نجف «ان اوضاع هؤلاء المهجّرين سيئة للغاية، فمنهم من يعيش في خيام تعيسة لا تتوافر فيها ادنى متطلبات الحياة، ومنهم من افترش الارض ونام مع عائلته لعدم توفر الخيام، وهناك من لجأ الى اقاربه في مدن أو قرى بعيدة، وإن حركة عودة هذه العوائل المهجرة شحيحة للغاية وتكاد تكون معدومة».
وتشير نجف إلى أن الوزارة تواجه «ازمة حقيقية جديدة، بازدياد موجات النزوح الداخلي والخارجي بسبب سوء الأوضاع الامنية والمعيشية»، مشيرة إلى «ان الأوضاع الحياتية مصابة بالشلل، فالحكومة لا تساعد في استقرار الاوضاع، كما أن الوزارة ليس لديها ميزانية كافية لمساعدة المهجرين».
ويطالب المواطن عبد الوهاب حامد، وهو من المرحّلين قسراً، بأن يصار إلى شمله برواتب الرعاية الاجتماعية. ويقول «كنت أملك محلًّا لبيع المواد الغذائية في السوق القريبة من منزلي، لكن رسائل التهديد التي تلقيتها مرتين جعلتني أضحّي ببيتي وعملي من أجل السلامة وتفادي شر المتربصين، وأرتضي الواقع برغم قساوته».
ومعروف أن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تطبّق مشروعاً للحماية الاجتماعية يتضمن شمول العائلات الفقيرة والعاطلين من العمل برواتب شهرية تبدأ من خمسين ألف دينار وتنتهي بمئة وعشرين ألفاً.
ومع ازدياد اعمال العنف واصطفاف الآلاف من العائلات في طوابير الفقر، تبقى عيون الملايين ترنو نحو مبادرات الحكومة في تطبيق الخطط الامنية وإطلاق مشاريع للمصالحة الوطنية، علّها توقف زحف غول الفقر على الغالبية من ابناء الشعب العراقي.