حسام كنفاني
باتت الأزمة الداخلية الفلسطينية أمام خيارات «راديكالية» بعد سقوط آخر المحاولات على المسار التوافقي، وإجهاض الحسابات الفصائلية والإقليمية والدولية لمبادرة الوساطة القطرية في بدايتها، وبالتالي خرجت الجهود السياسية من حسابات الأطراف المتناحرة على الأرض الفلسطينية، وأصبح أفق الحلول محدوداً بإجراءات، تؤدي أي منها إلى تصعيد يقود إلى المجهول.
قد تكون كلمتا «الإرهاب» و«الدولتين»، اللتان أراد وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني إضافتهما إلى بنود المبادرة القطرية، هما السبب المعلن للفشل، بعد تمسك حركة المقاومة الإسلامية (حماس) برفض الاعتراف بإسرائيل وإصرارها على ضرورة التفريق بين المقاومة والإرهاب، وهو ما تريده الدول الكبرى «ويصعب تسويقه لديها»، كما أبلغ الوزير القطري محاوريه الحمساويين.
إلا أن حسابات أبعد من الداخل الفلسطيني ومرتبطة بالمزاج الإقليمي والتحولات التي تريدها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في المنطقة، تتحكم بمسار الأزمة، إضافة إلى الدور القطري غير المستساغ من دول في المنطقة، تمسك بمفاتيح بعض أركان الصراع الداخلي الفلسطيني.
فدخول قطر على خط الأزمة الداخلية الفلسطينية، يثير حفيظة مصر ودورها التاريخي في القضية الفلسطينية، كما يمثل تجاوزاً للقاهرة ما دامت الدوحة طرقت باب دمشق قبل دخولها إلى قطاع غزة.
كما لا يمكن إغفال التأثير السعودي في الأزمة الفلسطينية، والذي ينظر بريبة أيضاً إلى الدور القطري، على خلفية البرودة في العلاقات بين البلدين، والمرتبطة بالاستياء السعودي من محاولة قطر أداء دور أكبر من حجمها في مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، وحتى على الساحة الدولية، بالإضافة إلى العلاقة المتوترة بين عمّان والدوحة، وهو ما جعل موقف السعودية ومصر والأردن واحداً من المبادرة القطرية.
ومن المعروف أيضاً أن «فتح هواها مصري»، كما يقول الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار)، وحتى العلاقة الوطيدة بين الرئيس محمود عباس (أبو مازن) والدوحة، لم تشفع لقطر عند أركان التركيبة «الفتحاوية»، التي لا ترى مصلحة حالياً في إنهاء التوتر الداخلي ورفع العزلة عن حكومة «حماس»، طالما أن مساراً من المفاوضات الجانبية يرسم «النهاية»، التي يريدها أركان فتح.
كثير من الحسابات فتحت أبواب الأزمة الفلسطينية على خيارات تصعيدية، قد يكون أقلّها الانتخابات المبكرة التي لا ترضى بها «حماس»، وبالتالي قد تلجأ إلى تصعيد ميداني لمواجهة قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تبدأ من العصيان المدني ولا تنتهي بالعصيان المسلح، الذي قد يفجّر مواجهة شاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة، تضع القضية الفلسطينية بأسرها خارج السكّة التي سارت عليها خلال السنوات الستين الماضية.
وأكثر السيناريوهات سوداوية يتجاوز الحرب الأهلية، التي قد تكون جزءاً من تفاصيله، وتكون أساساً لفرز سياسي جديد في الأراضي الفلسطينية، مرتبط بتوزيع الجمهور المؤيد لحركتي «فتح» و«حماس».
فمن المعروف أن قطاع غزة يمثل «الخزان البشري» لحركة «حماس»، بينما تشكل الضفة الغربية الملعب السياسي لحركة «فتح»، وبالتالي فإن أي مواجهة عسكرية قد تنتج سيطرة كاملة لكل طرف في ساحة تفوقه الجماهيري، ما قد يخلق حالة فصل غير معلنة على الأرض بين الضفة الغربية وقطاع غزة، يمارس الطرفان سيطرتهما السياسية على كل منهما.
الخيارات المتاحة أمام عباس، قد تؤدي أيضاً إلى فصل من نوع جديد، ففي حال قرر الرئيس الفلسطيني حل الحكومة الفلسطينية وتأليف أخرى من التكنوقراط، قد تلجأ «حماس» إلى التمسك بشرعية حكومتها وبقائها في السلطة، ما سيخلق حالة فريدة من نوعها، تعني قيام حكمين في لادولة فلسطينية.
أفق سوداوي ينتظر القضية الفلسطينية، إذا لم يتدارك أصحاب القضية أنفسهم قبل غيرهم، أن أي مواجهة لن تكون إلا خسارة للطرفين، وأنهم هم المعنيون مباشرة بالاتفاق، بغض النظر عن أي حسابات أو حزازيات أو خرائط قد تكون مرسومة للمنطقة.