باريس ــ بسّام الطيارة
في ذكرى سنة على «ثورتها»، تعود الضاحية الفرنسية إلى واجهة الأحداث تحت تسميات مختلفة، بحسب اختلاف وسائل العنف التي تتبعها.
في السنة الماضية، كان «شباب الضواحي» يعبرون عن ثورتهم بإشعال الحرائق في كل ما يعترض طريقهم، ويتجسد العنف منذ أشهر بأساليب جديدة، منها ما قد خبر في مناطق أخرى من العالم مثل قذف الحجارة على الشرطة وأفرادها، ومنها ما هو جديد مثل «تكتيك اصطياد سيارات الشرطة».
وعصفت في اليومين الأخيرين موجة عنف جديد موجه بشكل خاص نحو رجال الشرطة وممثلي الأمن. والتكتيك الجديد المتبع يقضي بنصب كمين لسيارة شرطة في شوارع معينة، بعد أن يعمد البعض إلى الاستغاثة بحجة تعرضه لعملية نهب أو اغتصاب. فتنطلق أقرب سيارة شرطة إلى المكان، حيث تنتظرها مجموعة شبان تقوم بإقفال الطريق من أمام السيارة وخلفها وترشقها بالحجارة.
ويتفق العديد من المراقبين على بطلان «الربط بين العنف في ضواحي المدن والسياسة الفرنسية في الخارج»، وخصوصاً أن عدداً لا بأس به من المشاغبين والمنغمسين في موجات العنف ليسوا من أصول عربية أو من الطائفة المسلمة.
ويرى هؤلاء أن «أصول العنف نابعة من أسباب اجتماعية واقتصادية». كما يشير البعض إلى العامل الانتخابي الذي جعل من «مسألة المهاجرين» إحدى ركائز الخطاب الانتخابي اليوم.
وفي حين يتهم البعض وزير الداخلية نيكولا ساركوزي، المرشح للرئاسة وزعيم حزب الأكثرية، «بتأجيج العنف» من خلال تصريحاته الاستفزازية الموجهة للمهاجرين، أو عبر سياسة «الترحيل» التي اتبعها استرضاء لبعض شرائح الرأي العام، يرى البعض الآخر أن ساركوزي «لا يفعل سوى ركوب موجة عنف» لها أصول في مجموعة من السياسات السابقة تعود لسنوات طويلة سابقة.
إلا أنه يمكن قراءة تركيز أعمال العنف على رجال الأمن كـ«رسالة موجهة لوزير الداخلية» بالذات وطريقة غير مباشرة للرد على تصريحاته الرنانة في ما يخص معالجة مسألة الضواحي. ولا يوجد شك لدى العديد من المراقبين بأن ساركوزي يحاول «الاستفادة قدر الإمكان من الصخب الإعلامي الذي يرافق العنف شبه اليومي في الضواحي» للبقاء في واجهة الإعلام وللبروز بما يخدم حملته الانتخابية غير المعلنة، بينما يتهمه خصومه بأنه عوضاً عن محاولة تهدئة الأمور فهو «يصب الزيت على النار» من خلال تصريحاته.
ويتخوف أصدقاء الوزير من أن يكون قد دخل دوامة لا يستطيع الخروج منها قد ترتد سلباً على صورته أمام الرأي العام، وخصوصاً أن استطلاعات الرأي تشير إلى تراجع محسوس لشعبيته أمام منافسته الاشتراكية سيغولين رويال؛ إذ لا يمر أسبوع إلا ويرتكب وزير داخلية فرنسا ما يراه البعض «هفوة» تسبب الحرج لأقرب المقربين له وتفتح أبواب التساؤل حول صلاحيته لاحتلال منصب الرئاسة، وبدأ الشك يساور الكثيرين عما إذا كان يتبع الطريق الصحيح الذي يوصله إلى هدفه.
ويقول أحد المراقبين للحياة السياسية الفرنسية إن «كل تصريح لساركوزي هو قنبلة تنفجر في لحظة، ويتطلب إصلاح ما تفسده أياماً وأسابيع من جهد تواصلي إعلامي مضن».
ففي أول لقاء انتخابي مع مؤيديه في منطقة دوردونيو في نهاية الأسبوع الماضي، لم يستطع وزير الداخلية إلا أن يخطب ودّ اليمين الفرنسي المتطرف، ويغمز من قناة الأقليات ضمن سياسة «القطيعة» التي ترتكز عليها حملته الانتخابية والتي أعلنها مراراً، مشدداً أن فرنسا «لن تتنكر لألفي سنة من المسيحية». وأضاف «أن فرنسا لا تريد من لا يحترمها ولا من لا يحبها»، في إشارة مباشرة إلى المهاجرين.
كما بدأت سياسة تسوية أوراق المهاجرين المتشددة التي يطالب بها، تشكل نقطة اختلاف كبيرة مع شرائح واسعة من الفرنسيين، إذ تظهر آخر استطلاعات الرأي أن ٧٣ في المئة من الفرنسيين يؤيدون تسوية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين، فيما يعارضها ١٠ في المئة.
وقد بدأت وجوه بارزة إعلامياً ومؤثرة في الرأي العام بإظهار معارضتها لـ«فلسفة ساركوزي السياسية»، ومنهم لاعب التنس الدولي يانيك نوا، الكاميروني الأصل، وهو ثاني شخصية محببة من الفرنسيين بعد زين الدين زيدان، الذي صرح أخيراً بأن ساركوزي «لا يرى الحياة كما أراها أنا». وتابع «لا أدري لمن سأصوّت ولكن أعرف لمن لن أصوّت».
ويتخوف مؤيدو ساركوزي من أن تتسع رقعة «النفور»، وخصوصاً أن حلفاء الرئيس الفرنسي جاك شيراك «بدأوا هجوماً مضاداً»، معتمدين خطة تسليط الأضواء على «هفوات ساركوزي»، يساعدهم في ذلك ارتفاع رصيد شيراك ورئيس الوزراء دومينيك دو فيلبان لدى الرأي العام، في ظل تحسن بارز للمؤشرات الاقتصادية ولنسبة تراجع البطالة.