لم يشكل مقتل نحو 655 ألف عراقي دافعاً للرئيس الأميركي جورج بوش لإعادة النظر في استراتيجة إدارته في العراق. وقد لا يشكل ازدياد القتلى الأميركيين الذين يضحي بهم، سبباً لإعاة النظر هذه. إلا أن اقتراب الانتخابات الأميركية كان عند بوش أسمى من البشر الذي يقتلون يومياً، فحرك فيه الدوافع لبحث إمكان تغيير سياسته تلك!تقترب الانتخابات الأميركية النصفية وتتصاعد معها خطوات واشنطن في محاولة للإيحاء بنية الإصلاح ولملمة الفشل في حرب العراق، في وقت تعلو فيه أصوات، من الإدراة ذاتها، تنتقد بشدة السياسة الأميركية، التي يبدو أنها تسعى الى نزع أي مسؤولية عن كاهلها وتحميلها للحكومة العراقية عبر وضع برنامج زمني لهذه الأخيرة لمعالجة التدهور الأمني تحت طائلة العقوبات، في وقت ارتفع فيه عدد القتلى الأميركيين في العراق الى 80 منذ بداية الشهر الجاري، بينما القتلى العراقيون آلاف لا تحصىفقد لجأ الرئيس الأميركي جورج بوش الى إجراء مشاورات، أول من أمس، مع القادة العسكريين الأميركيين حول سبل مواجهة التدهور الخطير في الوضع الأمني في العراق، بما يشبه مجلساً حربياً مصغراً يسعى الى إنقاذ الإدارة الأميركية من الفشل الذي تتخبط به في هذا البلد.
وتحدث بوش عن «تعديلات» تكتيكية خلال المشاوارت التي جمعته مع قائد قوات الاحتلال في العراق الجنرال جورج كايسي وقائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال جون أبي زيد، ورئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال بيتر بايس. كما حضر الاجتماع نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد والسفير الأميركي في بغداد زلماي خليل زاد ومستشارا الرئيس للأمن القومي ستيفان هادلي وجاك كروش. وشارك كايسي وخليل زاد عبر دائرة تلفزيونية مغلقة من بغداد.
وبين الحلول المطروحة من دون إجراء تغييرات كبرى، مراجعة خطة إحلال الأمن في بغداد.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض نيكولا غيومار إن المجلس الحربي، الذي عقده بوش والقادة العسكريون، استمر تسعين دقيقة. لكنها لم تشر الى أي قرارات. وأضافت إن المشاورات تناولت «طبيعة العدو والتحديات في العراق وأفضل الوسائل لتطبيق استراتيجيتنا والرهانات لتحقيق النجاح من أجل المنطقة ومن أجل أمن الأميركيين».
وأوضحت غيومار أن هذه المشاورات جزء من عملية «تشاور منتظمة» وهي الثالثة من نوعها، مشيرة الى أن الرئيس الأميركي يعتزم عقد اجتماع مماثل في الأسابيع المقبلة.
في موازاة ذلك، رفض بوش أول من أمس أي تغيير أساسي في الاستراتيجية وانسحاب مبكر من العراق وفضّل الحديث عن «تعديلات» تكتيكية.
وقال الرئيس الأميركي، في خطابه الأسبوعي، إن «هدفنا في العراق واضح وثابت: إنه تحقيق النصر. ما يتغير هو التكتيك الذي نستخدمه لتحقيق هذا الهدف». أضاف «هناك شيء واحد لن نفعله: لن نسحب قواتنا من ميدان القتال قبل إنجاز مهمتنا».
في غضون ذلك، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أول من أمس أن الولايات المتحدة ستقدم إلى الحكومة العراقية برنامجاً زمنياً لمعالجة أعمال العنف المذهبية والوضع الأمني وستهدد بعقوبات ما لم يتم تنفيذه.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى أن تفاصيل البرنامج الذي سيقدم إلى رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي قبل انتهاء السنة الجارية، لا يزال قيد الإعداد. وأوضح هؤلاء أن البرنامج يتضمن للمرة الأولى مطالب محددة على الحكومة العراقية تنفيذها مثل نزع أسلحة الميليشيات الطائفية، ونقاطاً سياسية واقتصادية عسكرية يفترض أن تؤدي الى إحلال الاستقرار في هذا البلد.
وأشارت الصحيفة الى أن البرنامج لا يتضمن تهديداً لحكومة المالكي بسحب القوات الأميركية من العراق، لكن مسؤولين قالوا إن الإدارة الأميركية يمكن أن تدرس تغييرات في استراتيجيتها العسكرية وعقوبات أخرى إذا عجز العراق عن تبني البرنامج أو فشل في تنفيذ النقاط الواردة فيه.
وأفاد مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، يشارك في وضع البرنامج، أنه تمت استشارة المسؤولين العراقيين أثناء وضع هذه الخطة الأساسية، وسيدعون إلى توقيعها قبل نهاية العام الجاري.ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي قوله «إذا فشل العراقيون في تحقيق ذلك، فسيكون علينا إعادة النظر» في الاستراتيجية الأميركية في العراق.
ويقوم بإعداد البرنامج الجنرال كايسي والسفير خليل زاد، اللذان يحتلان أعلى منصبين عسكري ومدني في العراق، الى جانب مسؤولين في البنتاغون. ونقلت الصحيفة عن أحد هؤلاء المسؤولين قوله «نحاول إيجاد السبل لدفع العراقيين للبحث عن حلول ودفعهم للتحرك لأن الوقت يدنو»، مؤكداً أن الأميركيين «لا يستطيعون البقاء هناك الى الأبد».
من ناحية أخرى، ذكرت صحيفة «ذي غارديان» البريطانية أول من أمس أن لندن وواشنطن تدرسان ثمانية خيارات لتجاوز المأزق العراقي بدءاً بانسحاب قوات الاحتلال وانتهاءً بتعزيزها، مروراً بإشراك سوريا وإيران في إيجاد حل والرغبة في استبدال المالكي.
ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية الأميركية، أظهر استطلاع للرأي نشرته مجلة «نيوزويك» أول من أمس، أن ثلثي الأميركيين (65 في المئة) يرون أن الولايات المتحدة تخسر في حربها في العراق.
ووصف مدير مكتب شؤون الشرق الأوسط في الخارجية الأميركية البرتو فرنانديز موقف بلاده في العراق بأنه «متغطرس» و«غبي».
وقال فرنانديز، لقناة «الجزيرة» الفضائية أول من أمس، إنه ينبغي للولايات المتحدة أن تظهر تواضعاً أكثر في استراتيجيتها في العراق والتي تميزت بـ«كثير من الأخطاء».
على صعيد آخر، كشفت صحيفة «صندي تايمز» الصادرة أمس أن مسؤولين أميركيين أجروا محادثات سرية مع زعماء الجماعات العراقية المسلحة الأسبوع الماضي في العاصمة الأردنية عمان.
وأشارت الصحيفة إلى أن الخطوة جاءت كاعتراف من الولايات المتحدة بفشل الحملة التي شنتها على مدى شهرين ونصف الشهر لوقف العنف في العاصمة العراقية بغداد.
وذكرت «صندي تايمز» أن تفاصيل قليلة توافرت عن تلك اللقاءات السرية، لكن مصدراً عراقياً قريباً من المفاوضات «أكد أن المشاركين من الجانبين التقوا ليومين على الأقل»، مشيراً إلى «أن ممثلين عن (الجيش الإسلامي في العراق) أحد أبرز فصائل الميليشيات السنية التي تقف وراء التمرد شاركوا في اللقاءات السرية التي جرت مع ممثلين عن الحكومة الأميركية».
ميدانياً، قتل 18 عراقياً في هجمات متفرقة في بغداد وبعقوبة والمحمودية أمس، فيما أعلن الجيش الأميركي مقتل اثنين من جنوده في معارك وقعت أول من أمس في محافظة الأنبار، علماً بأنه أعلن السبت مقتل ثلاثة آخرين في الأنبار.
(ا ف ب، أب، رويترز،
يو بي اي، الأخبار)