علي شهاب
يناور محمود أحمدي نجاد، خريج الحرس الثوري، في أضيق المساحات، فيُعيد رمي الكرة في ملعب الخصم، قبل أن يُسدد ضربته.
في الأشهر الثلاثة الأولى لتوليه الرئاسة في إيران، عمل أحمدي نجاد على تركيز صورته كـزعيم « شعبي صالح»: يأتي المقر الرئاسي بسيارته الـ«بيجو» طراز عام 1974. يحرص كل يوم على أن يحضر معه فطوره من المنزل، رغيف خبز وقطعة من الجبن.
لم يقبل ابن الحداد بصعود الطائرة الرئاسية بعدما اشتم فيها «رائحة تبذير»، فإذا به يأمر بضمها الى الأسطول التجاري.
في مرحلة لاحقة، فاجأ العالم بأسره بدعوته الى إزالة إسرائيل من الوجود: بدا أن قارئ العزاء، عديم الخبرة السياسية، يجهل أصول فن الممكن.
لكنه عاد فكرر "فِعلته" ثانية. أما في المرة الثالثة، فكان أحمدي نجاد قد قطع شوطاً كبيراً في تحطيم جدار الرهبة: صار بإمكان أي عربي ومسلم أن يجاهر بالدعوة الى محو إسرائيل عن الخريطة.
اليوم، يمارس أحمدي نجاد هوايته، كفارسي ينحدر من حضارة عمرها خمسة آلاف سنة، في «الذبح بالقطنة»!.
أما العالم، فقد ملّ سماع معزوفة أوركسترا الحرية في واشنطن بأن جورج بوش سيتخذ إجراءات صارمة ضد الرئيس الإيراني «الشرير».
على هذا المنوال، إذا استمر بوش في تغيير رأيه كل مرة في اللحظات الحاسمة، بإعطاء المزيد من الوقت للديبلوماسية، فقد يجد أحمدي نجاد نفسه مضطراً إلى التوسل الى «الشيطان الأكبر» من أجل تطبيق العقوبات على بلاده!
في الأشهر القليلة الماضية، قدمت الدول الكبرى عرضاً مغرياً إلى طهران، أبرز ما فيه الماء الخفيف. لم يُعر أحمدي نجاد الكثير من الاهتمام للـ«إغراءات»، ثم ما لبث أن رفع سقف التفاوض بتدشينه مفاعلاً للماء الثقيل في آراك. انقلبت المعادلة: أصبحت إيران جاهزة لتصدير التكنولوجيا النووية إلى الدول المستضعفة.
وهو، في ذروة إنجازه «الثقيل»، قال «لا نشكّل خطراً حتى على الكيان الصهيوني». قرر أن «يغازل» إسرائيل؛ أليس هذا ما فهمه الحكام العرب؟
لو أنّهم تأملوا قليلاً «بين السطور»، لعلموا أن الرئيس «النووي» يضرب بيده اليمنى، ويستبق رد الفعل باليسرى. أما موقفه من «النظام الصهيوني» فكما هو.
قبل أيام، شعر أحمدي نجاد بأن ألمانيا وفرنسا وإيطاليا تقترب سنتيمترات من الولايات المتحدة. آن الأوان لجرعة تذكيرية: «من الأفضل لأوروبا أن تحافظ على استقلالية قرارها».
إن هذا الرجل، الذي لا يتعدى طوله 168 سنتيمتراً، يُهدد القارة القديمة بعدما قيدتها طهران بعقود سنوية بقيمة 17 مليار دولار.
كتبت مراكز الأبحاث في شخص أحمدي نجاد وفكره ما يجعل منه «ظاهرة»، لكن المؤكد أن الرجل يجيد سياسة الصدمة من حيث لا يحتسب أحد، فتكون تصريحاته، للوهلة الأولى، أشبه ما تكون بالأحجيّات.
في المقابل، يحل بوش في المرتبة الأخيرة بين الرؤساء الأميركيين الأكثر ذكاءً.
بناء عليه، يمكن تصور المشهد الختامي منذ الآن: أحمدي نجاد، يقف قرب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية السيد علي خامنئي، في الصحن الرضوي في مشهد ـــ حجم الإعلان يستدعي رمزية المكان ـــ ليعلن أن في الصندوق الأسود أمامه ما يعدّل كفة الميزان مع تل أبيب.
تُرى هل سينجح جورج بوش حينئذ في حل الأحجيّة، أم إنه سيُكرر تهديده بفرض عقوبات؟!