جهاد الملاح
أطلقت أحداث 11 أيلول 2001 الاستراتيجية الأميركية، التي كانت في معظمها معدة مسبّقاً، فبدأت فصولها تتلاحق، طبقاً للأجندة الخارجية، أو تُعدّل على وقع المستجدات السياسية في العالم، فيما لم تغب مخيلة صقور الإدارة الأميركية عن حبك كل السيناريوهات التبريرية، التي راحت واشنطن تخطو، من خلالها، من هدف الى آخر، حتى وصلت الى إيران، رغم تخبطها في أفغانستان والعراق.
في 29 كانون الثاني عام 2002، أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش «محور الشر» الذي ضمَّنه العراق وإيران وكوريا الشمالية. لكن إيران هي البلد الأساسي في هذا المحور الأميركي. ويبدو أن غزو أفغانستان والعراق، اللذين يحدانها من الشرق والغرب، شكّلا المقدمة لمهاجمتها، عبر اتهامها بدعم الإرهاب، قبل أن تشكل قضية برنامجها النووي مرتعاً لتهديدات واشنطن وتوعداتها، على وقع سياسة الكيل بمكيالين القديمة ـــ المستجدة بين إسرائيل والآخرين.
خطت واشنطن نحو الجبهة الإيرانية، التي هي، على ما يبدو، «بيت القصيد»، ليس فقط ما قبل 11 أيلول، بل منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، ونمو الإسلام السياسي، الذي كانت الأروقة الأميركية، تعد لمواجهته إبان السبعينيّات، كعدو لاحق لانهيار الشيوعية.
وضعت الإدراة الأميركية إيران في أساس استراتيجيتها التي انطلقت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وفي سياق متكامل ومتسلسل قبل 11 أيلول وبعده، الذي بدأ مع نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني عام 1992، أعلن الرئيس بوش عام 2002، من خلال «استراتيجية الأمن القومي»، أن الولايات المتحدة، في حربها على «الإرهاب»، «لها السلطة العليا لاستخدام القوة لضمان أمنها القومي».
هذه الاستراتيجية تعطي الولايات المتحدة سلطة تنفيذ حرب وقائية Preventive، لا حرب استباقية Pre-Emptive، الأمر الذي يعني تشريع القضاء على أي خطر لم يتجسد بعد وقد يكون وهمياً أو مختلقاً. فالصلاحية القانونية للحرب الاستباقية تبقى رهن وجود أدلة حسية تؤكد وجود الخطر الداهم وضرورة مواجهته. أما الحرب الوقائية، فإنها، على العكس، لا تستند الى الخشية من اعتداء داهم، بل إلى مخاوف تذهب الى الأبعد، أي إلى خطر استراتيجي.
تجدر الإشارة الى أن الحرب الوقائية هي الجريمة العظمى التي أُدينت في نورمبرغ عام 1946. ودخلت هذه الإدانة كمبدأ في ميثاق الأمم المتحدة.
تسعى واشنطن، عبر مفهوم الحرب الوقائية، الى ضرب إيران، للقضاء على أي مقومات للقوة لديها، في ما يبدو أيضاً للقضاء على اكتفائها الذاتي. فمنذ عام 2002، تحاول واشنطن، مستندة الى اعتبارات الجيوسياسة الشرق ـــ الأوسطية، التصدي لأي إمكان لامتلاك طهران أسلحة نووية؛ فتحوّل إيران الى قوة نووية من شأنه أن يعدِّل ميزان القوى في المنطقة لمصلحة الجمهورية الإسلامية، الأمر الذي يتناقض مع مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل. كما أن إيران نووية ستشكل حافزاً لدول أخرى في المنطقة من أجل اكتساب القدرة النووية.
يذكر أن الولايات المتحدة وقعت، عام 1957، اتفاقاً للتعاون النووي مع إيران، التي كان يحكمها الشاه. ومنذ ذلك الحين وحتى الثورة الإسلامية، قدمت واشنطن إلى طهران المساعدة الفنية وأول مفاعل نووي للتجارب، فضلاً عن اليورانيوم المخصب. ولم يطلب من الشاه مطلقاً توفير أي ضمانات بألا تستخدم هذه التكنولوجيا لتطوير أسلحة نووية. علماً أنه ليس من المستبعد أنه اذا قبلت إيران، حالياً، التعامل اقتصادياً وتكنولوجياً مع واشنطن، أن تكف هذه الأخيرة عن تهديداتها.
دخلت الإدارة الأميركية الى الجبهة الإيرانية عبر قضايا الإرهاب والتهديد لإسرائيل، لتحط الاتهامات الأميركية رحالها عند البرنامج النووي، الذي وجدت فيه، أخيراً، مخرجاً قد يمكنها من الانقضاض على الجمهورية الإسلامية، وإفراغ كل ترسبات «غيظها» من نظامها، التي تفاقمت منذ السبعينيات.