معمر عطوي
ما الذي قصد به قادة الجيش التايلاندي بـ «حماية وحدة البلاد» لتبرير انقلابهم على حكومة تاكسين شيناوترا؟
سؤال يطرح نفسه، أمام حالة الهدوء النسبي التي تشهدها تايلاند بعد عملية انقلاب عسكري ناجحة، قام بها قائد الجيش سونثي بونياراتغلين الذي حل الحكومة، وعطل دستور العام 1997، بمباركة الملك بوميبول ادولايدج، الذي وافق على تعيينه رئيساً موقتاً للمجلس العسكري للإصلاح السياسي الحاكم.
وفيما تشير المعارضة إلى أن الهدف الأساسي للانقلاب هو الفساد الذي تغرق به الحكومة ورئيسها، تُظهر المعطيات السياسية والميدانية أن ثمة مشكلة أكبر من موضوع الفساد، تتعلق بأقاليم يالا وباتاني وناراثيوات الجنوبية، الواقعة قرب الحدود الماليزية، وتقطنها غالبية مسلمة من شعب الملاي، على خلاف الأقاليم الأخرى ذات الغالبية البوذيةفهذه الأقاليم الثلاثة، التي تشهد اضطرابات مسلحة، تطالب بالاستقلال منذ بداية العام 2004، إضافة إلى احتجاجات شعبية على صلة بالوضع الاجتماعي والخدماتي المزري، أوجدت شرخاً بين بعض قادة العسكر، وعلى رأسهم قائد الجيش الذي ينتمي للطائفة الإسلامية المؤيدة بمعظمها للملك، والحكومة التي يرأسها شيناوترا، بسبب سياسات الحكومة التي تعامل مواطني هذه الأقاليم كمواطنين من الدرجة الثانية، والتي دفعت قائد الجيش أكثر من مرة إلى انتقاد أسلوبها في مواجهة التمرد الإسلامي، والدعوة إلى التفاوض معهم.
فالجنرال بونياراتغلين يرى أن الحكومة بحاجة إلى انتهاج أسلوب آخر غير هذه الاستراتيجية التي تتبعها منذ فترة طويلة وتقوم على استخدام القوة ضد المقاتلين المسلمين في الجنوب ورفض التفاوض معهم، فيما دعا مسؤول عسكري تايلاندي إلى التفاوض مع من سماهم «الثعابين» كاستراتيجية يتوجب اتباعها من أجل الوصول إلى سلام دائم في البلاد.
يبدو أن «وحدة البلاد»، التي يتذرع بها الانقلابيون، لم تكن السبب الوحيد وراء هذا الانقلاب الذي شهدته بانكوك هذا الأسبوع، فالفساد السياسي والمالي الذي تعيشه السلطة الحاكمة ربما كان وراء تشكيل لجنة إصلاح سياسي، تم بين قائدي الجيش والشرطة .
ولعل إرهاصات التطورات السياسية الأخيرة، قد بلغت ذروتها الشهر الماضي أمنياً مع مقتل قائد الجيش في إقليم يالا العقيد سوثيزاك برايرتساري، في كمين مسلح اتهم بنصبه مسلحون إسلاميون.
والمتابع للتطورات في تايلاند يكتشف أن المؤسسة العسكرية التي انقلبت على الحكومة لم تكن بعيدة عن ممارسة العنف ضد مواطني الأقاليم الثلاثة، بذريعة محاولة القضاء على المتمردين، فلطالما تعاملت الحكومة مع هذه المناطق انطلاقاً من منظور أمني، بيد أن فرضية كهذه حرمت الأقاليم الجنوبية الكثير من حقوقها المدنية والاجتماعية لم تكن لتنال رضا الملك، الذي يسعى إلى كسب ثقة 1.8 مليون مسلم في جنوب البلاد.
وعلى ما يبدو فإن مشكلة تايلاند متشعبة إلى مشكلات أمنية سببها الحكومة والمتمردون، وأخرى اقتصادية، ربما ساهمت في خلق مناخ مناهض للحكومة تحول إلى أرض خصبة لاحتضان العنف.
الأمر الآخر الذي عزز مناخ المعارضة لرئيس الوزراء «المخلوع» هو استشراء الفساد الذي دفع بأنصار المعارضة مراراً إلى تنظيم مسيرات شعبية هدفها الضغط على شيناوترا لدفعه إلى التنحي عن منصبه بعد اتهامه بالفساد وسوء استخدام السلطة.
قد يكون هذا الهدوء الذي تشهده تايلاند بعد الانقلاب، إرهاصاً لتطورات دستورية يكون فيها الملك اللاعب الأساسي في اختيار رئيس حكومة جديد يرضي المعارضة والمؤسسة العسكرية على السواء. وقد يكون هذا الوضع بمثابة الهدوء الذي يسبق عاصفة سياسية وأمنية لا تُحمد عقباها.