برلين ــ غسان أبو حمد
جمعت ألمانيا أمس مسلميها، في مسعى تحاوري فريد من نوعه في الدولة الغربية، في خطوة وصفها أحد المشاركين المسلمين بأنها «المرة الأولى التي يجري فيها الحديث معنا وليس عنا»

عقد المؤتمر الإسلامي في برلين أمس وسط إجراءات أمنية مشددة، بمشاركة ممثلين عن جمعيات اسلامية كبرى في ألمانيا ومسؤولين عن الأمن الألماني، في طليعتهم وزير الداخلية ولفغانغ شويبله ومسؤولو شعب الاستخبارات الألمانيةوأعلن شويبله أن «الجلسة الأولى للمؤتمر هي حلقة انطلاق مركزية في مسار طويل من الحوار والتنسيق مع الجمعيات الإسلامية، ولم يستبعد أن يستمر برنامج الحوار أكثر من سنتين». وركز على نقطتين مهمتين، الأولى تهدف إلى توحيد التمثيل الإسلامي في ألمانيا تحت سقف واحد مؤهل للحوار مع السلطة الألمانية، والثانية إرساء الحوار بين الطرفين على أرضية الدستور والقوانين الألمانية.
وأشار ممثلو الجمعيات الإسلامية المشاركة في المؤتمر إلى أهمية المبادرة، التي تأتي متأخرة فترة زمنية طويلة، مشيرين إلى وجود أجيال جديدة في ألمانيا متحدرة من عائلات مسلمة، باتت بأمسّ الحاجة إلى الاعتراف بوجودها قانونياً ورسمياً، أسوة ببقية الديانات على الأراضي الألمانية.
وأكد ممثلو الجمعيات الإسلامية احترامهم التام للقوانين الألمانية التي يعيشون في ظلها، وخصوصاً أن أبناء العائلات الإسلامية في ألمانيا باتوا منخرطين في مؤسسات الدولة، ولا سيما في الجيش وقوى الأمن، وهم يرون أنفسهم مسؤولين عن سلامة المانيا، باعتبارها ملاذهم ووطنهم الجديد.
وقال الأمين العام للمركز الأوروبي للانصهار الاجتماعي بدر محمد، إن المؤتمر هو الأول من نوعه في ألمانيا، وقد جاء متأخراً سنين طويلة عن موعده، إذ إن عدد الجالية المسلمة في ألمانيا يجاوز الأربعة ملايين، وهم يفتقرون إلى أي تمثيل اجتماعي وتعليم ديني، ما يجعل حياتهم على هامش المجتمع الألماني ويشعرهم دائماً بالغربة.
وتطرق المؤتمر في جلسته الافتتاحية الى العديد من المحاور، التي يأمل المنظمون أن يتمخض النقاش في شأنها عن الخروج بمقترحات وآليات وخطط عمل، من شأنها أن تساهم في تجاوز المشاكل العالقة. ومن أهم هذه المحاور قضية المساواة بين الرجل والمرأة وقضايا العائلة والتربية والعلمانية وتعدد الثقافات.
وكان نائب رئيس البرلمان الألماني ولفغانغ تيرزيه قد طالب المسلمين بتقديم اقتراحات عملية من أجل تنظيم أنفسهم، ليصبحوا أكثر حضوراً في الساحة الألمانية. ورأى أن الهدف من هذا المؤتمر هو تعزيز العلاقة بين الدولة والجالية المسلمة.
أضاف تيرزيه «هذا المؤتمر يجب أن يوفر أرضية من أجل جعل عمل المنظمات الإسلامية جزءاً من المجتمع الألماني. كذلك رأى أن اندماج المسلمين في المجتمع الألماني يشكل ضرورة حيوية وأن السبيل إلى ذلك لا يتأتى إلا من خلال «العمل بالدستور والقناعة الأكيدة بالحقوق والواجبات التي من شأنها أن تيسر التعايش المشترك بين الجميع وأن هذه الأمور تخص الجميع وليس فئة بعينها».
واعتبر الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين أيمن مازياك هذا المؤتمر «حدثاً تاريخياً». قائلاً «للمرة الأولى تتحدث الحكومة الألمانية مع المسلمين وليس عنهم». وأشار إلى أن الهدف الرئيس لهذا المؤتمر يتلخص في كيفية دمج الإسلام في هذا المجتمع. ورأى أن الدعوات المتكررة للمنظمات الإسلامية لتنأى بنفسها عن الأعمال الإرهابية أمر مزعج وأن «هذا ما نقوم به كل الوقت، فنحن جزء من هذا المجتمع».
وشاءت الصدف أن يتزامن انعقاد المؤتمر الإسلامي مع قضية اجتماعية وصفت بأنها «خطيرة»، وهي إقدام إدارة مسرح ألماني على وقف مسرحية «إيدومينيو» التاريخية للموسيقار موزارت، بحجة الخوف على سلامة الجمهور من وقوع اعمال تخريب وإرهاب، لكون مضمون المسرحية يتعرض للأنبياء ويشكل إهانة للمؤمنين (تتضمن المسرحية قطعاً لرؤوس الأنبياء).
واكد المؤتمرون، في ختام الجلسة الأولى، استنكارهم لوقف المسرحية خوفاً من أعمال تخريب وإرهاب، وطالبوا بمشاهدة المسرحية ومواصلة عرضها، مشددين على رفض الخضوع لمنطق الخوف والإرهاب.
يذكر في هذا السياق أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل استنكرت وقف المسرحية، معتبرة أن «الكيل طفح»، وليس من الجائز منح الإرهابيين فرصة انتقاد الأعمال والروائع المسرحية الكبرى. وقالت «علينا أن نتنبه وألا نتراجع أمام التخويف الذي يقف وراءه إسلاميون راديكاليون».