بيت لحم ــ سعيد الغزاليوضعت الحرب أوزارها. عاد النازحون إلى بيوتهم. دفن بعضهم موتاهم. زاروا جرحاهم، وعاينوا الدمار في بيوتهم. كانت فجيعة عـــائلة الأسدي كبيرة. إذ إنّها آخر عـــائـــلـــة عربــــيـــة يــــسقط منها ضحايا، قبل أربعة أيام من وقف «الأعمال العدائية»، استشهدت مريم (25 عاما) مع ابنها فتحي (5 أعوام)، الذي كان ممسكاً بساقها من الرعب. وأصيب الابن الثاني فارس (3 سنوات) و«العمة فاطمه» (47 عاما) بجراح خطرةكان الشاب إياد الأسدي ملتاعا، وهو يروي قصة عائلته. لم يتوقف عن ترديد كلمات الحمد والشكر متقبّلاّ المصاب الجلل. «ماذا نفعل. هذا مكتوب علينا. هذه حرب. نحن عرب الـ48 مظلومون. الحمد لله. لا ملاجئ في بلدنا. الحمد لله، أوضاعنا أهون من أهلنا في جنوب لبنان. لم يتمكن أهلنا هناك من دفن جثث أقربـــائهم، لكننا نظمنا جنازة محترمة للشهداء حضرها معظم سكان دير الأسد».
هذا التجسّد في الألم بين الشعب اللبناني والشعب الفلسطيني كان جليا في كلام إياد. وكان للتجسيد شكل آخر. بعدما تبادل فلسطينيو 48 وأهل الضفة الغربية الأدوار، إذ ترك مئات العرب بيوتهم غير المحصنة إلى الضفة الغربية، المحاصرة بالجدران والجنود، فوجدوا في أهلها حضنا دافئا، يرعاهم رغم قلة الإمكانات.
كانت عائلة جليل صباغ من قرية البقــيعة، إحدى هذه العائلات. أقام صباغ، الذي يعمل دليلا سياحيا، برفقة عائلة شقيقته، وصديقه مــيشـــيل الحاج في بـــيت عائلة عيسى الحايك من مدينة بيت ساحور في الضفة الغربية. ويقول صباغ «قاسمناهم بيتهم وطعامهم.
كانوا يأخذوننا إلى مطاعم المدينة، ويصرون على أن يدفعوا فاتورة الحساب. كنا نأكل ونشرب ونستمع إلى الأخبار معا».
انخفضت أسعار الفنادق بنسبة 70 في المئة. وحصل انتعاش اقتصادي موقت في مدينة السيد المسيح المحاصرة. لم يتردد صباغ في تحميل الولايات المتحدة وإسرائيل مسؤولية الضحايا والدمار الكبير: «أتهم الأزعر بوش، رئيس الولايات المتحدة. ومجموعة كلاب الصيد في إسرائيل الذين شنوا حربا دموية على لبنان».
كان الأسى واضحاً في وجه السيدة دلال حداد (54عاما)، من مدينة حيفا، وهي جالسة في قاعة الاستقبال في فندق الكازنوفا، قرب ساحة المهد في بيت لحم تراقب عودة اللبنانيين إلى بيوتهم المهدمة من خلال شاشة التلفاز. كانت تحملق في صور الدمار. «لم يدمر بيتي، لكــــني خشـــيت على حـــفــــيدي. أريد أن أعود إلى حيفا، في أقرب فرصة».