غزة ــ «الأخبار»كانت عقارب الساعة تشير إلى الواحدة بعد منتصف ليل الثلاثاء-الأربعاء، عندما رنّ هاتف (المحمول) المواطن الفلسطيني عبد الهادي شعت ليخبره المتصل انه ضابط استخبارات إسرائيلي وعليه إخلاء منزله الذي سيقصف خلال دقائقلم يدع عبد الهادي (31 عاماً) وهو ناشط في «كتائب شهداء الأقصى»، التابعة لحركة "فتح"، لنفسه فرصة للتفكير، فقد باتت المكالمات الهاتفية من قبل الاستخبارات الإسرائيلية شائعة في إطار ما يتعارف عليه سكان قطاع غزة بـ«حرب المنازل».

لكن سرعة تصرف عبد الهادي، الذي لم يكن موجوداً في المنزل لحظتها، واتصاله على أهله وذويه، لم تمنع الطائرات الحربية الإسرائيلية من طراز «أف 16»، أميركية الصنع، من إطلاق صواريخها باتجاه المنزل قبل انتهاء الدقائق المعدودة، لتحوله إلى «كومة من الركام»، وتلقي بوالده المسن، وشقيقه الأكبر جثتين هامدتين على بعد عشرة أمتار من الركام.
ووفقاً لسكان منطقة الشيخ ناصر، في مدينة خان يونس جنوب القطاع، التي يقع فيها المنزل المستهدف، تمَّ العثور على جثتي حسن شعت (69 عاماً) وابنه إبراهيم (45 عاماً) على بعد أمتار من المنزل جراء قوة الإنفجار.
وقالت مصادر طبية في مستشفى ناصر الحكومي في المدينة، أن «ثلاثة مصابين آخرين وصلوا إلى المستشفى لتلقي العلاج اللازم، بينهم أحد أفراد المنزل المستهدف، وحالتهم الصحية متوسطة».
وفي تفاصيل الحكاية، بل الجريمة الجديدة، يسرد الباحث الميداني في المركز الفلسطيني لحقوق الانسان ياسر عبد الغفور، أن عبد الهادي تلقى مكالمة هاتفية من رقم مجهول، وبمجرد رده على المكالمة، جاءه صوت المتصل «ألو عبد الهادي»، فأجابه «نعم»، فقال له «انا من الاستخبارات الإسرائيلية، إخلِ بيتك لأن جيش الدفاع الإسرائيلي سيقصفه خلال دقائق». أدرك عبد الهادي، الذي يمتلك من الخبرة ما تؤهله إلى حسن التصرف في مثل هذه المواقف، ان الأمر جدياً، فأسرع إلى الاتصال بأهله ليخبرهم بالأمر، فما كان منهم إلا أن تداعوا إلى إخلاء بعض أمتعتهم المهمة والثمينة من المنزل، لكن الوقت لم يكن كافياً لاستكمال المهمة، التي كانت نهايتها دموية بفعل صواريخ الاحتلال. ووفقاً للباحث عبد الغفور، فإن المنزل المستهدف مكون من طبقات ثلاث وتقطنه عائلة واحدة مكونة من ست أسر قوامها نحو 45 فرداً، لم يتمكنوا بفعل المفاجأة والظلام الدامس جراء انقطاع التيار الكهربائي عن المنطقة، من إخلاء المنزل بالسرعة الكافية، والنجاة بأنفسهم.
قوات الاحتلال، التي اعتادت على الخراب والدمار، لم يرق لها بطء عملية الاخلاء، فقامت بالاتصال مجدداً بشقيق عبد الهادي، ويدعى مصطفى (36 عاماً) ويقطن في المنزل ذاته، وينشط أيضاً في «كتائب الأقصى»، وأبلغته بضرورة إخلاء المنزل بسرعة. وبحسب عبد الغفور، الذي تحدث الى «الأخبار»، «ما هي إلا لحظات بسيطة وكانت الصواريخ تهوي على المنزل لتحوله إلى ركام، وتحوِّل جثتي المسن وإبنه إلى أشلاء متناثرة». ولأن «حرب المنازل»، كما يسميها الفلسطينيون، تندرج في إطار سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها قوات الاحتلال، لم تشفع المنطقة المكتظة التي يقع فيها منزل المواطن شعث من قصفه بصواريخ الطائرات الحربية، التي ألحقت كذلك أضراراً كبيرة بنحو خمسة منازل متلاصقة. وانتهجت قوات الاحتلال، منذ منتصف تموز الماضي، سياسة قصف المنازل بعد تبليغ سكانها عبر المكالمات الهاتفية من أرقام خاصة ومجهولة، وذلك بدعوى "استخدامها من قبل فصائل المقاومة في تخزين الأسلحة والصواريخ».
ومنذ ذلك الحين دمَّرت قوات الاحتلال عبر القصف الجوي من الطائرات الحربية، أكثر من عشرين منزلاً في أنحاء متعددة من القطاع، تعود لنشطاء في فصائل المقاومة.